111ـ كلمة شهر جمادى الأولى 1437: وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟

111ـ كلمة شهر جمادى الأولى 1437: وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟

.

111ـ كلمة شهر جمادى الأولى 1437: وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الغَدْرُ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ، وُخُلُقٌ مَرْذُولٌ، وَالغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِوَاءٌ ويُفْضَحُ على رُؤُوسِ الأَشْهَادِ، جَزَاءً وِفَاقَاً على مَا كَانَ يَحْمِلُ في صَدْرِهِ من السُّوءِ.

وإذا كَانَ الغَدْرُ لا يَلِيقُ بالإِنْسَانِ المُسْلِمِ عَامَّةً، فَهُوَ لا يَلِيقُ بِصَاحِبِ الوِلايَةِ العَامَّةِ من بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، لِأَنَّ خَطَرَهُ عَظِيمٌ، وَغَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلى خَلْقٍ كَثِيرِينَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلى الغَدْرِ.

التَّحْذِيرُ من الغَدْرِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ من الغَدْرِ بِأَحَادِيثَ، مِنْهَا:

أولاً: روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْراً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ».

ثانياً: روى الشيخان عَن الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».

ثالثاً: روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ».

رابعاً: روى الإمام مسلم عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ».

الكَاملُ منَ الخَلْقِ لا يَغْدِرُ إِنْ غَدَرَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد بَلَغَتْ رَحْمَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ المُسْلِمِينَ أَنَّهُ حَرَّمَ الغَدْرَ بِهِم، ولو كَانَ هذا في زَمَانِ الحَرْبِ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَدَرَ قَطُّ، بَل كَانَ مِثَالَ الوَفَاءِ الدَّائِمِ، فَإِنْ غَدَرَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَغْدِر بِهِم، حَتَّى شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ الأَعْدَاءُ قَبْلَ الأَصْحَابِ وَالأَصْدِقَاءِ.

فَهذا هِرَقْلُ عَظِيمُ الرُّومِ سَأَلَ أَبَا سُفْيَانَ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَكَانَ هذا بَعْدَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ ـ فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟

قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا.

قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.

ثمَّ قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ: وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ .

ثمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقَّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ (أَصِلُ إليهِ) لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ (تَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ) وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيهِ (مُبَالَغَةٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَالْخِدْمَةِ). رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

وَصِيَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَدَمِ الغَدْرِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ حَرِيصَاً على أَنْ يَغْرِسَ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم خُلُقَ الوَفَاءِ وَيُحَذِّرَهُم منَ الغَدْرِ في وَقْتِ الحَرْبِ، فَكَانَ يُوَدِّعُ سَرَايَاهُ مُوصِيَاً إِيَّاهُم بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اخْرُجُوا بِسْمِ الله، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله مَنْ كَفَرَ بالله، لَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هذا أولاً.

ثانياً: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْضَبُ أَشَدَّ الغَضَبِ إِذَا أَخْطَأَ المُسْلِمُونَ في حُرُوبِهِم مَعَ عَدُوِّهِم، أو قَتَلوا أَطْفَالاً صِغَارَاً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أحمد عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَاتَلُوا الْـمُشْرِكِينَ، فَأَفْضَى بِهِم الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ، فَلَمَّا جَاؤُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ؟»

قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْـمُشْرِكِينَ.

قَالَ: «أَوَ هَلْ خِيَارُكُمْ إِلَّا أَوْلَادُ الْـمُشْرِكِينَ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ تُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ (يُفْصِحَ) عَنْهَا لِسَانُهَا».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ وَفَاءٍ، وَيَكْرَهُ الغَدْرَ وَيَبْرَأُ من الغَادِرِ ولو كَانَ مُسْلِمَاً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَمْرِو بن الْحَمِقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْـمَقْتُولُ كَافِراً».

هذا هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا هُوَ شَرْعُهُ الحَنِيفُ، وهذهِ هِيَ أَخْلَاقُهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا للتَّخَلُّقِ بأخلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.        

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 9/شباط / 2016م

 2016-02-10
 2823
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

04-03-2025 110 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 110
08-01-2025 658 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 658
08-01-2025 297 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 297
08-01-2025 321 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 321
08-01-2025 321 مشاهدة
218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، ... المزيد

 08-01-2025
 
 321
08-09-2024 561 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 561

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421862256
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :