151ـ كلمة شهر رمضان 1440: لنسارع إلى التوبة

151ـ كلمة شهر رمضان 1440: لنسارع إلى التوبة

 

151ـ كلمة شهر رمضان 1440: لنسارع إلى التوبة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ عَادَ إِلَيْنَا، وَمَرَّةً أُخْرَى يُنَادِينَا المُنَادِي: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَهَا هُوَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الغَنِيُّ عَنَّا يُنَادِينَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

مَنْ رُحِمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ المَرْحُومُ، وَمَنْ حُرِمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ المَحْرُومُ، وَمَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ في شَهْرِ رَمَضَانَ الذي غُلَّتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَفُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَغُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، فَهُوَ المَلُومُ.

أَتَـى رَمَـضَانُ مَزْرَعَةُ الـعِـبَادِ   ***   لِتَطْهِيرِ القُلُوبِ مِنَ الفَسَادِ

فَأَدِّ حُـقُـوقَـهُ قـَوْلَاً وَفـِعــْلَاً   ***   وَزَادَكَ فَـاتَّـخِـذْهُ للـمَـعَادِ

فَمَنْ زَرَعَ الحُبُوبَ وَمَا سَقَاهَا    ***   تَأَوَّهَ نَادِمَاً يَـوْمَ الحَـصَـــادِ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُسَارِعْ إلى التَّوْبَةِ وَالاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، وَاللهُ يَكْفِينَا مَا اقْتَرَفَتْهُ أَيْدِينَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا خَيْرَاً فِيهَا، مَاذَا نَنْتَظِرُ؟

يَـا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ في رَجَبٍ   ***   حَـتَّـى عَـصَى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبَانِ

لَـقَـدْ أَظَـلَّـكَ شَـهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَا   ***   فَلَا تُـصَـيِّــرْهُ أَيْضَاً شَهْرَ عِصْيَانِ

وَاتْلُ الـقُـرَانَ وَسَـبِّـحْ فِـيـهِ مُجْتَهِدَاً   ***   فَإِنَّهُ شَهْرُ تَـسْـبِـيـــــــحٍ وَقُرْآنِ

كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مَّمَنْ صَـامَ في  سَلَفٍ   ***   مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِـيـرَانٍ وَإِخْــوَانِ

أَفْنَاهُمُ المَوْتُ وَاسْـتَـبْـقَـاكَ بَـعْدَهُمُ   ***   حَيَّاً فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِـي

فَوَائِدُ شَهْرِ رَمَضَانَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِفَرِيضَةِ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

وَللهِ الحَمْدُ أَنَّهُ فَرَضَهُ عَلَيْنَا كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ، حَتَّى تَبْقَى لَنَا الخَيْرِيَّةُ وَالأَفْضَلِيَّةُ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَحَتَّى يَصْدُقَ فِينَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ فَوَائِدُهُ كَثِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ، مِنْ هَذِهِ الفَوَائِدِ:

أولاً: أَنَّهُ سَبَبٌ للمَغْفِرَةِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» يَعْنِي إِيمَانَاً بِاللهِ تعالى وَإِيمَانَاً بِفَرْضِيَّةِ صِيَامِهِ، وَاحْتِسَابَاً لِثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ».

ثانياً: ثَوَابُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».

وفي رِوَايَةٍ للإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».

لَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ تعالى بِمُجَازَاةِ الصَّائِمِ عَلَى صِيَامِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّيَامَ عِبَادَةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ إِخْلَاصٍ وَاسْتِجَابَةٍ للهِ تعالى، وَنَصَبٍ وَتَعَبٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَى قَدْرِهِ إِلَّا اللهُ تعالى، فَلِذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ لَهُ أَجْرٌ مَحْدُودٌ يُضَاعَفُ حَتَّى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمُ فَإِنَ ّأَجْرَهُ بِدُونِ حِسَابٍ.

فَالصِّيَامُ وِقَايَةٌ مِنَ النَّارِ، وَحَاجِزٌ عَنِ ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالآثَامِ، وَأَجْرُ الصَّائِمِ عَلَى اللهِ تعالى.

ثالثاً: صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ يَكُونُ سَبَبَاً للشَّفَاعَةِ، روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَيُشَفَّعَانِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ أَتَانَا، وَاللهُ يُحِبُّ أَنْ نُرِيَهُ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرَاً «فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلُمُّوا لِمَيْدَانِ التَّنَافُسِ وَالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/ رمضان /1440 هـ، الموافق: 6/ أيار / 2019م

 2019-05-05
 1229
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 129 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 129
27-05-2025 199 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 199
30-04-2025 228 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 228
06-04-2025 358 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 358
04-03-2025 408 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 408
08-01-2025 1014 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1014

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424746383
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :