164ـ لا تودعوا الأعمال الصالحة

164ـ لا تودعوا الأعمال الصالحة

كلمة شهر شوال 1441

164ـ لا تودعوا الأعمال الصالحة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَدْ خَرَجْنَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ وَوَدَّعْنَاهُ، وَوَدَّعْنَا فِيهِ أَعْمَالَاً نَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً؛ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ صَوْمَنَا كَانَ مَقْبُولَاً أَمْ لَا ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ فَلْنَنْظُرْ إلى أَنْفُسِنَا بَعْدَ رَمَضَانَ، وَإلى هِمَّتِنَا بَعْدَ رَمَضَانَ، هَلْ هِيَ مُتَوَاصِلَةٌ بِالطَّاعَةِ، وَهَلْ رَغْبَتُنَا مُسْتَمِرَّةٌ في العِبَادَةِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العُمُرُ لَيْسَ هُوَ رَمَضَانُ فَقَطْ، بَلْ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ رَمَضَانَ، وَالثَّوَابُ وَالعِقَابُ في رَمَضَانَ وَفي غَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ عَنْ عُمُرِنَا كُلِّهِ لَا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَطْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَيَّامُ جُزْءٌ مِنَ العُمُرِ، وَمَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِلِ الحَيَاةِ، وَهِيَ طَرِيقٌ يُوصِلُ إلى المُسْتَقَرِّ، الأَيَّامُ مَرَاحِلُ في الطَّرِيقِ، نُفْنِيهَا يَوْمَاً بَعْدَ يَوْمٍ، وَمَرْحَلَةً بَعْدَ مَرْحَلَةٍ، وَعِنْدَمَا تَمْضِي تِلْكَ الأَيَّامُ، تَمْضِي بِالأَعْمَالِ، وَتُقْرِّبُ مِنَ الآجَالِ، حَتَّى يَكُونَ الوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ الكَبِيرِ المُتَعَالِ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَهْدِمُوا مَا قَدَّمْتُمْ في شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ قَبُولِ الحَسَنَةَ إِتْبَاعُهَا بِالحَسَنَةِ، وَمِنْ عَلَامَاتِ رَدِّهَا إِتْبَاعُهَا بِالسَّيِّئَةِ.

لَا تُوَدِّعُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَشْكُرِ اللهَ تعالى الذي وَفَّقَنَا لِإِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامَاً وَقِيَامَاً، لَقَد مَضَى وَانْقَضَى وَهُوَ شَاهِدٌ للمُحْسِنِينَ بِإِحْسَانِهِمْ، وَشَاهِدٌ عَلَى العَاصِينَ بِعِصْيَانِهِمْ.

فَإِذَا مَضَى وَانْقَضَى وَوَدَّعْنَا هَذَا الشَّهْرَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نُوَدِّعَ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، لِأَنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى الطَّاعَاتِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ إِلَّا المَوْتُ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَلَا بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَلَا بِمَرْحَلَةٍ دُونَ مَرْحَلَةٍ مِنَ العُمُرِ، يَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَبَى قَوْمٌ المُدَاوَمَةَ، وَاللهِ مَا المُؤْمِنُ بالذي يَعْمَلُ شَهْرَاً أَو شَهْرَيْنِ، أَو عَامَاً أَو عَامَيْنِ، وَاللهِ مَا جَعَلَ اللهُ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلَاً دُونَ المَوْتِ؛ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِلَهُ الذي يُعْبَدُ في رَمَضَانَ وَيُصَامُ لَهُ فِيهِ، هُوَ ذَاتُهُ الإِلَهُ في جَمِيعِ الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ، وَلَا يَلِيقُ بِقَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا في رَمَضَانَ، فَإِذَا انْسَلَخَ شَهْرُ رَمَضَانَ هَجَرُوا المَسَاجِدَ، وَاعْتَزَلُوا المَصَاحِفَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَأَقْبَلُوا عَلَى مَعَاصِيهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ وَالَى عَلَيْهِمْ بِالطَّاعَاتِ وَالعِبَادَاتِ مِنَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، فَإِذَا أَنْهَى العَبْدُ صَوْمَ الفَرِيضَةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ يَشْرَعُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِصِيَامِ التَّطَوُّعِ، فَبَابُهُ مَفْتُوحٌ، وَمِنْ صِيَامِ التَّطَوُّعِ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ شوَّالٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ» رواه النسائي وابن خزيمة عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» رواه ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

صُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ مُتَفَرِّقَاتٍ أَو مُتَتَابعَاتٍ، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ فَصَوْمُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مَطْلُوبَةٌ، وَإِنْ صَامَ النَّفْلَ أَوَّلَاً ثُمَّ قَضَى الوَاجِبَ فَلَا حَرَجَ.

وَجُمْهُورُ الفُقَهَاءِ قَالُوا بِأَنَّ صِيَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ تَكُونُ في شَهْرِ شَوَّالٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ». يَعْنِي: سِتَّاً مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ. لِأَنَّ «مِنْ» هُنَا تَبْعِيضِيَّةٌ.

وَهُنَاكَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ تَعْنِي ابْتِدَاءً مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ، وَتَبْقَى مُسْتَمِرَّةً إلى شَهْرِ شَعْبَانَ القَادِمِ، وَحَمَلُوا كَلِمَةَ: «مِنْ شَوَّالٍ» علَى الابْتِدَاءِ لَا عَلَى التَّبْعِيضِ.

المُهِمُّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ الاسْتِمْرَارُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ حَتَّى نَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/ شوال /1441هـ، الموافق: 26/ أيار / 2020م

 2020-05-23
 718
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

16-09-2023 113 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 113
17-08-2023 134 مشاهدة
204ـ مرحبًا بصفر الخير

التَّشَاؤُمُ وَالتَّطَيُّرُ مِنَ الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ، وَالأَخْلَاقِ اللَّئِيمَةِ، وَلَا يَصْدُرَانِ إِلَّا مِنَ النُّفُوسِ المُسْتَكِينَةِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ للتَّوَكُّلِ وَاليَقِينِ، فَهُمَا مِنْ سِمَاتِ الكُسَالَى وَالبَطَّالِينَ، ... المزيد

 17-08-2023
 
 134
14-07-2023 169 مشاهدة
203ـ فوائد محاسبة النفس

انْقَضَى عَامٌ هِجْرِيٌّ مِنْ حَيَاتِنَا، وَلَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ في صَفَحَاتِ العَامِ المُنْصَرِمِ، هَلْ سَوَّدْنَا تِلْكَ الصَّفَحَاتِ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا، أَمْ بَيَّضْنَاهَا بِصَالِحِ طَاعَاتِنَا وَقُرُبَاتِنَا؟ الحَقُّ يُقَالُ: نُفُوسُنَا ... المزيد

 14-07-2023
 
 169
18-06-2023 206 مشاهدة
202ـ حنين القلوب لزيارة بيت الله الحرام

إِنَّ إِخْوَانَكُمْ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ قَدْ أَحْرَمُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَصَدُوا بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ، وَمَلَؤُوا الفَضَاءَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، مُسْتَجِيبِينِ في ذَلِكَ نِدَاءَ ... المزيد

 18-06-2023
 
 206
22-05-2023 324 مشاهدة
201ـ تفقد قلبك

إِنَّ الحَجَّ إلى بَيْتِ اللهِ تعالى الحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَائِضِ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى بِهِمْ أَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ، مُقَيَّدًا ... المزيد

 22-05-2023
 
 324
20-04-2023 212 مشاهدة
200ـ السلام عليك يا شهر رمضان

هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ وَلَّى، وَمَرَّ كَالطَّيْفِ، وَكَانَ كَالحُلْمِ، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ رَمَضَانَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ التَّجَاوُزِ ... المزيد

 20-04-2023
 
 212

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3113
المكتبة الصوتية 4651
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :