171ـ نحن مغمورون بنعمة الله تعالى

171ـ نحن مغمورون بنعمة الله تعالى

كلمة شهر جمادى الأولى 1442

171ـ نحن مغمورون بنعمة الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ أَنْفَعِ القُرُبَاتِ، وَمِنْ أَهَمِّ الوَاجِبَاتِ عَلَى العِبَادِ تُجَاهَ خَالِقِهِمْ، شُكْرَهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، وَعَلَى سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَتَجَاهَلَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ فقَدِ اقْتَرَفَ أَشَدَّ أَنْوَاعِ الجُحُودِ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. مَا قَيَّدَهَا بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، وَلَا بِظَرْفٍ مِنَ الظُّرُوفِ، بَلْ أَطْلَقَهَا في سَائِرِ أَحْوَالِنَا ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ يُنْكِرُونَ عَلَى الشَّخْصِ الذي لَا يُسْدِي الشُّكْرَ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَيُسَمُّونَهُ الجَاحِدَ المُنْكِرَ للمَعْرُوفِ؛ فَكَيْفَ إِذَا جَحَدَ العَبْدُ وَأَنْكَرَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْهِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الشُّكْرُ ثَمَنٌ لِكُلِّ نَوَالٍ وَإِنْ جَلَّ؛ وَقِيلَ:

ثَلَاثٌ يَبْلُغُ بِهَا الإِنْسَانُ مَا يُحِبُّ:

أولًا: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ تعالى.

ثانيًا: المُكَافَأَةُ عَلَى القِبِيحِ بِالجَمِيلِ.

ثالثًا: شُكْرُ اللهِ تعالى عَلَى الشِّدَّةِ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ:

لَئِن سَاءَنِي دَهْرٌ لَقَدْ سَرَّنِي دَهْرُ    ***   وَإِن مَسَّنِي عُسْرٌ فَقَدْ مَسَّنِي يُسْرُ

لِـكُــلٍّ مِـنَ الأَيَّامِ عِنْدِي عَادَةٌ   ***   فَإِنْ سَاءَنِي صَبْرٌ وَإِنْ سَرَّنِي شُكْرُ

نَحْنُ مَغْمُورُونَ بِنِعَمِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، نَحْنُ مَغْمُورُونَ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى في سَائِرِ أَحْوَالِنَا وَبِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ، عَرَفَ هَذَا مَنْ عَرَفَ، وَجَحَدَ هَذَا مَنْ جَحَدَ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. تَحَدٍّ لِكُلِّ عَاقِلٍ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ.

مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الصَّالِحِينَ كَانَ قَعِيدًا أَعْمَى، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: الحَمْدُ للهِ الذي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَى بِهِ كَثِيرًا مِنْ خَلْقِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا.

فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَ وَهُوَ قَعِيدٌ أَعْمَى مَشْـلُولُ الأَطْرَافِ.

فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَ وَهُوَ قَعِيدٌ أَعْمَى مَشْـلُولُ الأَطْرَافِ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ عُوفِيتَ مِنْهُ وَابْتَلَى بِهِ غَيْرَكَ؟!

قَالَ: أَلَمْ يُؤْتِنِي اللهُ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَجَسَدًا عَلَى البَلَاءِ صَابِرًا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلُمُّوا لِشُكْرِ اللهِ تعالى عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهَا وَمَا لَمْ نَعْلَمْ؛ هَلُمُّوا للرِّضَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ رَضِيَ عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَرْضَاهُ اللهُ تعالى دُنْيَا وَأُخْرَى، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، وَأَثْلَجَ صَدرَهُ.

فَكَمْ مِنْ مُصِيبَةٍ في الظَّاهِرِ كَانَتْ نِعْمَةً في الحَقِيقَةِ، وَكَمْ ظَهَرَتْ آثَارُهَا بَعْدَ رِضَا العَبْدِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَكَمْ مِنْ بَلَايَا أُصِيبَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فَزَادَتْهُمْ قُرْبًا مِنَ اللهِ تعالى، وَزَادَهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ رِضًا وَحُبًّا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ شَكَرَ اللهَ تعالى عَلَى سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَهَبَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ اليَقِينَ في مُصِيبَتِهِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. قَالَ: يَهْدِ قَلْبَهُ لليَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَارَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ في جِنَازَةِ ابْنِهِ، فَلَمَّا سَارَ مَعَهُمْ تَبَسَّمَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

قَالُوا: لِمَ تَبَسَّمْتَ رَحِمَكَ اللهُ؟!

قَالَ: احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي عِنْدَ اللهِ، فَذَكَرْتُ مَا لِي عِنْدَ اللهِ، فَسَلَوْتُ وَضَحِكْتُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ الحَامِدِينَ عَلَى سَائِرِ الأَحْوَالِ، اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيْنَا غَضَبٌ فَلَا نُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لَنَا، فَعَامِلْنَا بِفَضْلِكَ لَا بِعَدْلِكَ، وَارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ، يَا مَنْ نَعَّمْتَنَا فَلَمْ تَجِدْنَا شَاكِرِينَ، وَابْتَلَيْتَنَا فَلَمْ تَجِدْنَا صَابِرِينَ، فَلَا أَنْتَ أَزَلْتَ النِّعْمَةَ بِتَرْكِ الشُّكْرِ، وَلَا أَنْتَ أَدَمْتَ الشِّدَّةَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ، لِأَنَّكَ إِلَهٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الجَوَادِ الكَرِيمِ إِلَّا الجُودُ وَالكَرَمُ، فَأَدْخِلْ عَظِيمَ جُرْمِنَا في عَظِيمِ عَفْوِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ جمادى الأولى /1442هـ، الموافق: 16/ كانون الأول / 2020م

 2020-12-15
 1238
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 94 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 94
13-03-2024 258 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 258
09-02-2024 503 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 503
13-01-2024 306 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 306
14-12-2023 444 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 444
16-11-2023 545 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 545

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413200591
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :