كلمة شهر رجب 1442
173ـ يا أيها السارد في الظلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ تَسْتَقْبِلُونَ شَهْرَ رَجَبٍ الفَرْدَ، هَذَا الشَّهْرُ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. لَقَدِ انْتَشَرَ الظُّلْمُ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ، وَعَمَّ وَطَمَّ، وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَنْ عَوَاقِبِ وَنَتَائِجِ الظُّلْمِ.
يَا أَيُّهَا السَّارِدُ في الظُّلْمِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَقُولُ لِكُلِّ مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الظُّلْمَ: يَا أَيُّهَا السَّارِدُ في ظُلْمِهِ، هَلْ تَذْكُرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾. وَالعَذَابُ عَلَى قَدْرِ المُعَذِّبِ ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾؟
هَلْ تَذْكُرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾؟
آيَتَانِ كَرِيمَتَانِ فِيهِمَا أَعْظَمُ تَهْدِيدٍ وَتَحْذِيرٍ لِكُلِّ سَارِدٍ في الظُّلْمِ.
يَا أَيُّهَا السَّارِدُ في الظُّلْمِ: لَقَدْ أَنْذَرَكَ اللهُ تعالى وَأَمْهَلَكَ، فَاحْذَرْ مِنَ التَّمَادِي في الظُّلْمِ، وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾. فَرَبُّكَ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْكَ، بَعْدَ الإِنْذَارِ يُمْهِلُكَ، فَإِنْ أُبْتَ وَرَجَعْتَ إلى اللهِ تعالى أَفْلَحْتَ، وَإِلَّا فَهُوَ آخِذُكَ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَلَنْ تُفْلِتَ مِنْ قَبْضَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
يَا أَيُّهَا السَّارِدُ في ظُلْمِهِ: تَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَإِذَا أَخَذَكَ اللهُ تعالى وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى ظُلْمِكَ، رَحَلْتَ إلى اللهِ تعالى خَائِبًا، وَاللهُ تعالى قَالَ في حَقِّكَ وَفي حَقِّ أَمْثَالِكَ: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾.
هَلْ تَعْلَمُ يَا أَيُّهَا السَّارِدُ في ظُلْمِهِ أَنَّ مَوْتَكَ رَاحَةٌ للنَّاسِ مِنْكَ؟ تَذَكَّرِ الحَدِيثَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟
قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».
بِمَوْتِكَ أَيُّهَا الظَّالِمُ يَرْتَاحُ الجَمِيعُ مِنْكَ، وَيَبْدَأُ عَذَابُكَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الظُّلْمُ مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، لَقَدْ حَرَّمَهُ اللهُ تعالى عَلَى نَفْسِهِ، وَحَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَقَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
هُنَاكَ بَعْضُ النُّفُوسِ طُبِعَ الظُّلْمُ فِيهَا، فَلَا يَنَامُ أَصْحَابُهَا إِلَّا عَلَى ظُلْمِ الآخَرِينَ، وَلَا يَقُومُونَ إِلَّا عَلَى ظُلْمِ المَسَاكِينِ، هَؤُلَاءِ قَدِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ، قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ نَاصِرًا غَيْرِي» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَجَارَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَالظَّالِمِينَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
السبت: 1/ رجب /1442هـ، الموافق: 13/ شباط / 2021م
هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد
مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد
الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد
هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد
إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد
هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد