كلمة شهر رمضان 1443
187ـ احرص على صيامك
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ عَنْ خَوَاطِرِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ، وَالبُعْدُ عَنِ النَّارِ وَسَمُومِهَا وَاللَّفَحَاتِ، وَقَرْعُ أَبْوَابُ الجَنَّاتِ؛ فَهَنِيئًا لِمَنْ صَامَ حَقَّ الصِّيَامِ، وَحَافَظَ عَلَى صِيَامِهِ مِنَ الضَّيَاعِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصَّوْمُ لَا مِثْلَ لَهُ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ».
قَالَ: فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا.
قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَزْوًا ثَانِيًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ».
قَالَ: فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا.
قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا ثَالِثًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَتَيْتُكَ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ مَرَّتِي هَذِهِ فَسَأَلْتُكَ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَدَعَوْتَ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَنَا وَيُغَنِّمَنَا، فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا؛ يَا رَسُولَ اللهِ، فَادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ».
قَالَ: فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ».
قَالَ: فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صُيَّامًا؛ قَالَ: فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِمْ دُخَانٌ بِالنَّهَارِ، قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ نَزَلَ بِهِمْ نَازِلٌ.
وَفي رِوَايَةٍ للنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَضَافَ اللهُ تعالى الصَّوْمَ لَهُ مَعَ أَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّهَا للهِ تعالى، لِبَيَانِ شَرِيفِ قَدْرِهِ، وَعَظِيمِ فَخْرِهِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي؛ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ؛ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
احْرِصْ عَلَى صِيَامِكَ:
فَيَا أَخِي الصَّائِمَ، احْرِصْ عَلَى صِيَامِكَ وَلَا تُفَرِّطْ فِيهِ، وَالْتَزِمْ أَخْلَاقَ الصَّائِمِينَ حَقَّ الصِّيَامِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
تَشَبَّهْ بِالمُحْسِنِينَ الذينَ يَدْرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، فَلَا تَجْهَلْ عَلَى الجَاهِلِ بِمِثْلِ جَهْلِهِ، وَلَا تَسْفَهْ عَلَى السَّفِيهِ بِمِثْلِ سَفَهِهِ، كُنْ أَيُّهَا الصَّائِمُ مُتَحَلِّيًا بِأَخْلَاقِ المُحْسِنِينَ الذينَ الْتَزَمُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَزْكِيَةَ النُّفُوسِ أَحَدُ مَقَاصِدِ الصِّيَامِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. وَالصَّائِمُ يُحَقِّقُ فِي صِيَامِهِ التَّقْوَى، فَمَنْ حَقَّقَ التَّقْوَى في صِيَامِهِ كَانَ مِمَّنْ سَارَعَ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ أَرَادَ مِنَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَقِفَ عِنْدَ الإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَحَسْبُ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نُمْسِكَ عَنِ الكَلَامِ الذي لَا يُرْضِي المَلِكَ العَلَّامَ، فَإِذَا جَاءَتْ بَوَاعِثُ الشُّرُورِ، وَحَرَّكَهَا أَهْلُهَا في مَوْقِفٍ مِنَ المَوَاقِفِ، وَأَنْتَ قَدْ جِعْتَ لِوَجْهِ اللهِ تعالى، وَظَمِئْتَ لِوَجْهِهِ في يَوْمِ صِيَامِكَ، فَحَرَّكَتْ تِلْكَ الأَشْجَانُ مِنْ نَفْسِكَ الغَضَبَ، وَدَفَعَتْكَ للانْتِقَامِ بِكَلَامٍ لَا يُرْضِي اللهَ تعالى، تَذَكَّرْ، وَذَكِّرِ النَّفْسَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ، وَقُلْ كَمَا أَمَرَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ». لِأَنَّ الصَّائِمَ لَيْسَ خَلِيقًا بِهِ أَنْ يَرْتَكِبَ لَغَطَ الكَلَامِ، أَو رَفَثَهُ الذي لَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ قُلْ كَلِمَةَ: «إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ». بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، حَتَّى تَكْبَحَ جِمَاحَ نَفْسِكَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَرَفَّعْ في صَوْمِنَا عَمَّا يُغْضِبُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلْنُزِلْ مِنْ بَيْنِنَا العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ، وَلْنُطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنْ أَمْرَاضِ الحِقْدِ وَالحَسَدِ، وَلْنَتَرَفَّعْ إلى المُسْتَوَى اللَّائِقِ بِالمُؤْمِنِ الذي تَتَغَلَّبُ فِيهِ الرُّوحُ عَلَى البَدَنِ.
لِنُغَلِّبْ في صَوْمِنَا جَانِبَ التَّسَامُحِ وَالصَّفْحِ لِزَلَّاتِ الآخَرِينَ، وَلْنَجْعَلْ شِعَارَنَا أَمَامَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا: «إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ». فَهُوَ جَوَابٌ مُفْحِمٌ وَمُسْكِتٌ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا نَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِنَا كَيَوْمِ فِطْرِنَا، لِنُطَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يُرْضِي رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَقَّ الصِّيَامِ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الأربعاء: 27/ شعبان /1443هـ، الموافق: 30/آذار / 2022م
ارسل إلى صديق |
هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد
أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد
الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾. الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد
مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد
مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد