193ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ    (2)

193ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ    (2)

193ـ جيل رباه سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ شَهْرُ الرَّبِيعِ أَطَلَّ عَلَى الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، لِيَرْبِطَهَا بِنَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِتَنْظُرَ إلى الجِيلِ الذي رَبَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خِلَالَ فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، فَحَازُوا شَرَفَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

جَاءَ شَهْرُ الرَّبِيعِ لِيَرْبِطَ الأُمَّةَ بِنَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلِتَعْرِفَ مَنْزِلَتَهُ وَقَدْرَهُ، وَتَعْرِفَ مَنْزِلَةَ وَقَدْرَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الذينَ اخْتَارَهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِحَمْلِ رِسَالَةِ الإِسْلَامِ، وَاصْطَفَاهُمْ لِصُحْبَةِ خَيْرِ خَلْقِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

جِيلٌ مُبَارَكٌ مُبَشَّرٌ بِالجَنَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الجَيلُ المُبَارَكُ الذي رَبَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جِيلٌ مُبَشَّرٌ بِالجَنَّةِ، وَلَمْ يَحْظَ جِيلٌ بِمَا حَظِيَ بِهِ جِيلُ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَقَدْ شَهِدَ اللهُ تعالى للجَمِيعِ بِالحُسْنَى، بَلْ وَعَدَهُمْ إِيَّاهَا، سَوَاءٌ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ أَو بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُتَفَاوِتِينَ في الفَضْلِ وَالدَّرَجَةِ، قَالَ تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى﴾. وَوَعْدُ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ.

لِهَذَا أَقُولُ لِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَهْرِ رَبِيعِ الأَوَّلِ شَهْرِ المَوْلِدِ، بِحَقٍّ مَنْ أَحَبَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ وَبَعْدَ الفَتْحِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ الجَمِيعَ بِالحُسْنَى، وَكَيْفَ لَا يُحَبُّ مَنْ أَحَبَّهم سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ القَائِلُ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَهَنِيئًا لِمَنْ أَحَبَّ الحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَبَّ أَصْحَابَهُ؛ وَالحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ عَلَى مَنْ أَبْغَضَ الحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْغَضَ أَصْحَابَهُ؛ اللَّهُمَّ إِنَّا نُشْهِدُكَ أَنَّا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ حَبِيبَكَ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنُحِبُّ أَصْحَابَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ جَمِيعًا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ؛ وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ نُحْشَرَ مَعَهُمْ.

كَيْفَ لَا نُحِبُّهُمْ، وَخَاصَّةً مَنْ بَشَّرَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالجَنَّةِ؟

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لَأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا.

قَالَ: فَجَاءَ المَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا ـ أي :حَافَّتَهَا ـ ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي البِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اليَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ؟

فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».

فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ.

فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي القُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ.

ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا ـ يُرِيدُ أَخَاهُ ـ يَأْتِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ؟

فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».

فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ.

ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ.

فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ».

فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ القُفَّ قَدْ مُلِئَ فَجَلَسَ وِجَاهَهُ مِنَ الشَّقِّ الآخَرِ.

مَقامَاتُ الصَّحَابَةِ وَتَفَاضُلُهُمْ وَدَرَجَاتُهُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ وَرَدَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ ذِكْرَى المَوْلِدِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، بَعْضُ الأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَكَانَةِ وَمَقَامِ الصَّحَابَةِ وَتَفَاضُلِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ».

وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مَنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِ اسْتُشْهِدَ الخَمْسَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بَعْدَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَشَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدِّيقِ خَاصَّة، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ».

وَأَشَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ».

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَبَقِيَتْ سِيرَةُ الشَّيْخَيْنِ طَافِحَةً بِالعَدْلِ وَالاسْتِقَامَةِ وَالزُّهْدِ في الدُّنْيَا، وَصَارَا رَمْزًا للعَدْلِ في الإِسْلَامِ، وَالقِيَامِ بِمَصَالِحِ الأُمَّةِ.

وَأَشَادَ بِسَيِّدِنَا عُثْمَانَ، وَبِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ، وَبِسَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا، بَعْدَ أَنْ أَشَادَ بِجَمِيعَ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَذَكَّرُوا وَأَنْتُمْ تَعِيشُونَ ذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ الذينَ تَجَرَّدُوا للدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى للمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

لَقَدْ أَوْضَحَ اللهُ تعالى تَجَرُّدَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ للدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، فَلَمْ يَقِفْ حُبُّ الدِّيَارِ، وَالتَّعَلُّقُ بِالمَالِ عَائِقًا في سَبِيلِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى.

وَفي الخِتَامِ: أَقُولُ لِنَفْسِي، وَلِكُلِّ مَنْ يَقْرَأُ وَيَسْمَعُ مِنِّي: مَا أَحْسَنَ وَصْفَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأَبْنَاءِ جِيلِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ حِينَ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا، وَأَحْسَنَهَا حَالًا، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَحَبَّتِهِمْ وَالاقْتِدَاءِ بِهِمْ، حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ربيع الأول /1444هـ، الموافق: 27/ أيلول / 2022م

 2022-09-25
 504
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

25-07-2024 29 مشاهدة
215ـ السعيد له دستور

الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد

 25-07-2024
 
 29
05-06-2024 302 مشاهدة
214ـ أفضل الأشهر

هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد

 05-06-2024
 
 302
09-05-2024 377 مشاهدة
213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد

 09-05-2024
 
 377
09-04-2024 593 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 593
13-03-2024 464 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 464
09-02-2024 653 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 653

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416306607
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :