كلمة شهر جمادى الأولى 1445
207ـ لا تزال الأمة تبتلى
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ يَتَفَرَّجُ وَكَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ.
نَعْمْ، إِخْوَانُنَا في فِلَسْطِينَ يَتَعَرَّضُونَ للقَتْلِ بِوَحْشِيَّةٍ وَهَمَجِيَّةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ المَلْعُونِينَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَالعَالَمُ مَكْتُوفُ الأَيَادِي، لَا يُعَاتِبُ المُجْرِمَ وَلَا يُوقِفُهُ عِنْدَ حَدِّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ المُعْتَدِي وَالغَاصِبُ وَالظَّالِمُ وَالجَائِرُ وَالمُجْرِمُ.
وَالعَالَمُ كُلُّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اليَهُودَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ، وَلَا مِيثَاقَ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ الذي هُوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ يَقُولُ عَنْهُمْ: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
لَا تَزَالُ الأُمَّةُ تُبْتَلَى:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَزَالُ الأُمَّةُ تُبْتَلَى بِأَحْدَاثٍ وَقَضَايَا، حَتَّى يُنْسِيَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، وَيُغَطِّيَ حَدِيثُهَا قَدِيمَهَا، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:
مَاذَا أَقُـولُ وَقَلْبِـي بَـاتَ يُعْتَصَـرُ؟ *** مِمَّا يَدُورُ وَمَا يَجْرِي وَيَـنْفَـــــطِـرُ
مَـاذَا أَقُـولُ وَأَعْمَـاقِـي مُمَزَّقَــــةٌ؟ *** وَالصَّمْتُ رَانَ كَأَنَّ الحَالَ يُحْتَضَـرُ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ جُرْحٌ عَظِيمٌ أَصَابَ الأُمَّةَ بِأَسْرِهَا، لِأَنَّ أَرْضَ فِلَسْطِينَ لَيْسَتْ مِلْكًا للفِلَسْطِينِيِّينَ وَحْدَهُمْ، بَلْ هِيَ للمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، هِيَ أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِهِمْ، فَهِيَ مِيرَاثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَإِذَا كَانَ اليَهُودُ تَسَلَّطُوا عَلَى أَهْلِهَا، وَظَلَمُوهُمْ وَشَرَّدُوهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً تَحْتَ حِمَايَةِ وَرِعَايَةِ المُجْرِمِينَ مِنْ بِلَادِ الكُفْرِ، فَمَا كَانَ للمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِاغْتِصَابِ عَدُوٍّ فَاجِرٍ خَبِيثٍ، وَمَا كَانَ للمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَكِّرُوا في تَحْسِينِ عَلَاقَاتِهِمْ مَعَ هَؤُلَاءِ المُجْرِمِينَ، فَضْلًا عَنْ تَطْبِيعِ العَلَاقَاتِ بَيْنَهُمْ.
أَمَا آنَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ مِنْ نَوْمَتِهَا، وَأَنْ تَنْفُضَ عَنْ نَفْسِهَا لِبَاسَ الذُّلِّ وَالعَارِ، وَتَعُودَ إلى سِرِّ عِزَّتِهَا وَعُنْوَانِ مَجْدِهَا، وَأَنْ تَنْتَصِرَ لِدِينِهَا، وَلِأَرْضِ مُقَدَّسَاتِهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَمُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ عَزِيزٌ وَغَالٍ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».
وَفي رِوَايَةٍ للتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».
وَمَعَ هَذَا فَالمَجَازِرُ في فِلَسْطِينَ جِهَارًا نَهَارًا قَائِمَةٌ، وَالدَّمُ رَخِيصٌ، وَالعَالَمُ مِنْ أَقْصَاهُ إلى أَقْصَاهُ كَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ.
إِنَّ أَحْدَاثَ اليَوْمِ كَشَفَتْ كَذِبَ وَعَوْرَةَ الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ التي رَفَعَتْ شِعَارَ حُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَحُقُوقِ المَرْأَةِ، وَحُقُوقِ الأَطْفَالِ، أَمَا آنَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ مِنْ سُبَاتِهَا، وَتَتَنَاسَى الخِلَافَاتِ التي بَيْنَهَا، وَتَجْمَعَ كَلِمَتَهَا عَلَى الحَقِّ؟ أَمَا آنَ لَهَا أَنْ تَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾؟ أَمَا آنَ لَهَا أَنْ تَسْمَعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَسَعُنَا اليَوْمَ إِلَّا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ لِإِخْوَانِنَا في فِلَسْطِينَ، وَأَنْ نَتَخَلَّى عَنْ صِفَاتِ وَأَفْعَالِ وَأَحْوَالِ وَأَقْوَالِ اليَهُودِ، فَكَمْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ تَحَلَّى بِهَا بَعْضُ المُسْلِمِينَ وَيَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الثلاثاء: 1/جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 14/ أيلول / 2023م
هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد
الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد
مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد
مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد
الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد
الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد