204ـ مرحبًا بصفر الخير

204ـ مرحبًا بصفر الخير

كلمة شهر صفر الخير 1445

204ـ مرحبًا بصفر الخير

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ فَهَدَى، وَأَعْطَى فَأَغْنَى، وَأَمَاتَ وَأَحيَا، فَلَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ وَالأُولَى، وَفي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، حَمْدًا يُوافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: التَّشَاؤُمُ وَالتَّطَيُّرُ مِنَ الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ، وَالأَخْلَاقِ التي لا تَنْسَجِمُ معَ كَمَال ِالاعتِقَادِ وَتَمَامِ الاتِبَاعِ لِسيِّدِنَا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَصْدُرَانِ إِلَّا مِنَ النُّفُوسِ المُسْتَكِينَةِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ للتَّوَكُّلِ وَاليَقِينِ، فَهُمَا مِنْ سِمَاتِ الكُسَالَى وَالبَطَّالِينَ، وَلِهَذَا نَهَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتْبَاعَهُ عَنِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّفَاؤُلَ، لِمَا يَبْعَثُهُ في النَّفْسِ مِنَ الأَمَلِ وَالاطْمِئْنَانِ.

مَرْحَبًا بِصَفَرِ الخَيْرِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِمُنَاسَبَةِ حُلُولِ صَفَرِ الخَيْرِ، أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِوُجُوبِ سُلُوكِ طَرِيقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سُلُوكِ طَرِيقِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ، الذينَ أَيْقَنُوا أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُمْ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُمْ، عَمَلًا بِقَوْلِ الصَّادِقِ الأَمِينِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنْ قَبْلُ قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَزِيزِ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

وَقَالَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

لِذَا نَقُولُ: مَرْحَبًا بِصَفَرِ الخَيْرِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَرْحَبًا بِصَفَرِ الخَيْرِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ».

فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟

قَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنَ التَّشَاؤُمِ وَاليَأْسِ مِنَ الإِصْلَاحِ في ظِلِّ الظُّرُوفِ التي نَعِيشُهَا الآنَ، لِنُعْطِيَ أَنْفُسَنَا فُرْصَةً لِأَنْ نَفْرَحَ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِمُسْتَقْبَلٍ مَنْشُودٍ، وَبِأَلْوَانٍ مِنَ الخَيْرِ، وَإِنْ أَصَابَنَا هَمٌّ وَغَمٌّ وَكَآبَةٌ مِنْ جَرَّاءِ مَا نَرَى.

مَا نَحْنُ فِيهِ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ لَنَا للتَّغْيِيرِ وَاسْتِدْرَاكِ الخَلَلِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَنْطْلِقَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. يُسْرٌ مِنَ اللهِ تعالى لَا شَأْنَ للبَشَرِ فِيهِ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا بِالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾. عَلَيْنَا أَنْ نَرْغَبَ في العِبَادَةِ، نَرْغَبَ في السُّؤَالِ، نَرْغَبَ في الاسْتِعَانَةِ بِقُوَّتِهِ تَبَارَكَ وتعالى، نَرْغَبَ في اسْتِخْدَامِ مَا أَقْدَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِقَضاءِ اللهِ تعالى وَقَدَرِهِ، فَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ هُوَ الإِيمَانُ بِاللهِ تعالى أَنَّهُ الخَالِقُ الرَّازِقُ المُحْيِي المُمِيتُ، مُقَدِّرُ الأَقْدَارِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا في الكَوْنِ هُوَ بِتَقْدِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.

يَا رَبِّ زِدْ في إِيمَانِنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/صفر /1445هـ، الموافق: 17/آب / 2023م

 2023-08-17
 131
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

16-09-2023 101 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 101
14-07-2023 166 مشاهدة
203ـ فوائد محاسبة النفس

انْقَضَى عَامٌ هِجْرِيٌّ مِنْ حَيَاتِنَا، وَلَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ في صَفَحَاتِ العَامِ المُنْصَرِمِ، هَلْ سَوَّدْنَا تِلْكَ الصَّفَحَاتِ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا، أَمْ بَيَّضْنَاهَا بِصَالِحِ طَاعَاتِنَا وَقُرُبَاتِنَا؟ الحَقُّ يُقَالُ: نُفُوسُنَا ... المزيد

 14-07-2023
 
 166
18-06-2023 205 مشاهدة
202ـ حنين القلوب لزيارة بيت الله الحرام

إِنَّ إِخْوَانَكُمْ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ قَدْ أَحْرَمُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَصَدُوا بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ، وَمَلَؤُوا الفَضَاءَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، مُسْتَجِيبِينِ في ذَلِكَ نِدَاءَ ... المزيد

 18-06-2023
 
 205
22-05-2023 319 مشاهدة
201ـ تفقد قلبك

إِنَّ الحَجَّ إلى بَيْتِ اللهِ تعالى الحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَائِضِ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى بِهِمْ أَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ، مُقَيَّدًا ... المزيد

 22-05-2023
 
 319
20-04-2023 212 مشاهدة
200ـ السلام عليك يا شهر رمضان

هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ وَلَّى، وَمَرَّ كَالطَّيْفِ، وَكَانَ كَالحُلْمِ، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ رَمَضَانَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ التَّجَاوُزِ ... المزيد

 20-04-2023
 
 212
23-03-2023 298 مشاهدة
199ـ ها هي أيام التجارة الرابحة

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُهِلَّ عَلَيْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ شَهْرَ صُلْحٍ مَعَ اللهِ تعالى، وَشَهْرَ عَوْدَةٍ إلى رِحَابِهِ جَلَّ وَعَلَا. فَيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ ... المزيد

 23-03-2023
 
 298

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3112
المكتبة الصوتية 4650
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :