69ــ كلمة شهر ذي القعدة1433هـ: عمل من غير غاية ضائع

69ــ كلمة شهر ذي القعدة1433هـ: عمل من غير غاية ضائع

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا لا شكَّ فيه بأنَّ الإنسانَ العاقلَ يجعلُ غايةً لكلِّ عَملٍ يقومُ به، لأنَّ العملَ بدونِ غايةٍ ليسَ مِن شأنِ العقلاءِ، وكلَّما سَمَا الإنسانُ في تفكيرِهِ كلَّما سَمَتْ غايتُهُ، وقِيمةُ كلِّ إنسانٍ بالغايةِ التي يَصبو إليها.

والإنسانُ المسلمُ الحقُّ هوَ الذي لا يقومُ بعملٍ إلا وله غايةٌ، والغايةُ التي ينشُدُها استمدَّها من كتابِ ربِّنا عزَّ وجلَّ.

ما هي غايةُ المسلمِ من أعمالِهِ الظَّاهرةِ والباطنةِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: تعالَوا لنتعرَّفَ على الغايةِ التي ينشُدُها المسلمُ الحقُّ من أعمالِهِ، وهيَ غايةُ كلِّ عاقلٍ:

الغايةُ الأولى: رِضا الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: المؤمنُ الحقُّ عَرَفَ الغايةَ من خلقِهِ، وذلك من خلالِ قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون﴾. فانطلقَ من هذا المنطلقِ، وأخَذَ يبحثُ عن رِضا الله تعالى في أفعالِهِ، وهوَ يقولُ بلسانِ الحالِ والمقالِ: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾. ويقولُ: إلهي أنت مقصودي ورِضاكَ مطلوبي، ويقولُ: اللَّهمَّ إن لم يكُن بك عليَّ غَضَبٌ فلا أُبالي، ويقولُ:

فَـلَيْتَكَ تَحْلُـو، وَالحَيَاة ُ مَــرِيرَة    ***  ٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَـامِرٌ    ***   و بيني وبـينَ الـعالمينَ خـرابُ

فإن صَحَّ مِنكَ الوُدُّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ   ***   وكُلُّ الذِي فَوقَ التُّرابِ تُـرابُ

فالمؤمنُ الحقُّ هوَ الذي يبحثُ عن رِضا الله تعالى، ولا يهتمُّ برِضا الناسِ عنهُ، لأنَّهُ إذا رَضِيَ اللهُ تعالى، فإنَّ رِضا الناسِ يكونُ تَبَعاً لِرِضاهُ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قالت: (سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»).

أيُّها الإخوة الكرام: لِيُفكِّر كلُّ واحدٍ منَّا في أفعالِهِ كلِّها، هل يبحثُ عن رِضا الله تعالى من خلالِها، أم عن رِضا الناسِ عنهُ؟ وواللهِ لقد خابَ وخَسِرَ من كانَ يُفكِّرُ في إرضاءِ الناسِ عنهُ، لأنَّ إرضاءَ الناسِ غايةٌ لا تُدركُ.

الغايةُ الثانيةُ: تقديمُ الخيرِ للبشريَّةِ جمعاءَ مع الإخلاصِ لله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ المؤمنُ الحقُّ هوَ الذي جَعَلَ الغايةَ من أفعالِهِ بعدَ رِضا الله تعالى تقديمَ الخيرِ للبشريَّةِ جمعاءَ، لأنَّ الخلقَ كلَّهُم عيالُ الله، وأحبُّهُم إلى الله تعالى أنفعُهُم لعيالِهِ.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ قولَ الله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾؟.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»؟ رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِراً، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ رواه الإمام البخاري عن عَبْدِ الله بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وكيفَ لا تكونُ غايتُهُ هذهِ، وهوَ الذي سَمِعَ تحذيرَ سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الإساءة للمسلم حيث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»؟ رواه الإمام مسلم عَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وفي الختامِ:

هلَّا فكَّرنا في إرضاءِ خالِقِنا ولو سَخِطَ الناسُ علينا؟ هلَّا فكَّرنا في تقديمِ الخيرِ للآخرينَ وخاصَّةً للمسلمين؟ وواللهِ لن يكونَ هذا إلا من خلالِ دِينِنَا الحنيفِ، فاللهَ اللهَ في إسلامِكُم يا عبادَ الله. وصَلَّى اللهُ على سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **     **

تاريخ المقال:

يوم الاثنين 1 / ذو القعدة / 1433هـ ، الموافق:17 /أيلول / 2012م

 

 2012-10-04
 82887
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 125 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 125
27-05-2025 195 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 195
30-04-2025 227 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 227
06-04-2025 349 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 349
04-03-2025 408 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 408
08-01-2025 1010 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1010

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424692416
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :