دروس رمضانية 1438هـ
30ـ بر الوالدين سبب لإجابة الدعاء
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لقد ضَاقَ الخِنَاقُ عَلَينَا في هذهِ الأَزمَةِ، فما من أَحَدٍ إلا وَيَشكُو إلى اللهِ تعالى من شِدَّةِ هذهِ الأَزمَةِ على القُلُوبِ، هَمٌّ وغَمٌّ وكَربٌ عَظِيمٌ، الكُلُّ يَتَطَلَّعُ إلى تَفرِيجِ الكَربِ، الكُلُّ يَتَسَاءَلُ مَتَى الفَرَجُ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قُولُوا لِكُلِّ من ضَاقَ صَدْرُهُ، وضَاقَت عَلَيهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت: هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُجَابَ الدَّعوَةِ؟ هل تُرِيدُ أن يُفَرِّجَ اللهُ عزَّ وجلَّ عَنكَ هُمُومَكَ وأَحزَانَكَ، ويُخرِجَكَ من الهَمِّ والكَربِ العَظِيمِ؟ هل تُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا والآخِرَةِ والحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ؟ هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُسَدَّدَاً ومُوَفَّقَاً ومَحفُوظَاً من كُلِّ مَكرُوهٍ؟ إذا أَرَدتَ كُلَّ هذا فَكُنْ بَارَّاً بِوَالِدَيكَ، مَعَ الإخلاصِ للهِ تعالى في بِرِّكَ لَهُمَا.
بِرُّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لإجَابَةِ الدَّعوَةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لاستِجَابَةِ الدُّعَاءِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ». فَاسْتَغْفِرْ لِي؛ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
بِرُّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِتَفرِيجِ الهُمُومِ والغُمُومِ والكُرُوبِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِتَفرِيجِ الهُمُومِ والغُمُومِ والكُرُوبِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الإمام البخاري عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ.
فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلَا مَالاًـ أي: لا أُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا أَحَداً فِي شُرْبِ نَصِيبِهِمَا عِشَاءً مِن اللَّبَنِ ـ فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْماً، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً».
بِرُّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَذَلكُمُ الْبِرُّ، كَذَلكُمُ الْبِرُّ». يَعنِي: مِثلَ تِلكَ المَنزِلَةِ والدَّرَجَةِ تُنَالُ بالبِرِّ؛ وكَانَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ من أَبَرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ.
وإلى الحَدِيثِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «ارْجِعْ فَبِرَّهَا».
ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِن الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبِرَّهَا».
ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، اِلْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لا يَلِيقُ بِعَاقِلٍ مُؤمِنٍ عَلِمَ ثَمَرَاتِ بِرِّ الوَالِدَينِ، ثمَّ يُعرِضُ عَنهُ ولا يَقُومُ بِهِ، والأَسوَءُ حَالاً مِنهُ أن يَقَعَ في العُقُوقِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ جَمَعَ من الخَيرِ أَكمَلَهُ، ومن الإحسَانِ أَجمَلَهُ، وحَازَ من المَعرُوفِ أَنفَعَهُ، وحَوَى من الفَضلِ أَرفعَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِرُّوا آبَاءَكُم وأُمَّهَاتِكُم، وأَعطُوا نِسَاءَكُم حَقَّهُنَّ، ولا يَطغَ حَقٌّ على حَقٍّ، واعلَمُوا بأَنَّ الأَمرَ دَينٌ، فَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ.
اللَّهُمَّ اجعَلنَا كما تُحِبُّ وتَرضَى يا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 17/رمضان /1438هـ ، الموافق: 12/حزيران/ 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد