159ـ سعة رحمة الله تعالى

159ـ سعة رحمة الله تعالى

159ـ سعة رحمة الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ بِحَاجَةٍ إلى كَنَفٍ رَحِيمٍ، وَرِعَايَةٍ حَانِيَةٍ، وَبَشَاشَةٍ سَمْحَةٍ؛ هُمْ بِحَاجَةٍ إلى وُدٍّ يَسَعُهُمْ، وَحِلْمٍ لَا يَضِيقُ بِجَهْلِهِمْ، وَلَا يَنْفِرُ مِنْ ضَعْفِهِمْ.

بِحَاجَةٍ إلى قَلْبٍ كَبِيرٍ يَمْنَحُهُمْ وَيُعْطِيهِمْ، وَلَا يَتَطَلَّعُ إلى مَا في أَيْدِيهِمْ، يَحْمِلُ هُمُومَهُمْ وَلَا يُثْقِلُهُمْ بِهُمُومِهِ.

إِنَّ الإِنْسَانَ لَا يَتَمَيَّزُ في إِنْسَانِيَّتِهِ إِلَّا بِقَلْبِهِ وَرُوحِهِ، لَا في أَكْوَامِ لَحْمِهِ وَعِظَامِهِ، فَبِالرُّوحِ وَالقَلْبِ يُحِسُّ وَيَشْعُرُ، وَيَنْفَعِلُ وَيَتَأَثَّرُ، وَيَرْحَمُ وَيَتَأَلَّمُ.

الرَّحْمَةُ كَمَالٌ في الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ، تَجْعَلُ المَرْءَ يَرِقُّ لِآلَامِ الخَلْقِ، فَيَسْعَى لِإِزَالَتِهَا كَمَا يَسْعَى في مُوَاسَاتِهِمْ، كَمَا يَأْسَى لِأَخْطَائِهِمْ فَيَتَمَنَّى هِدَايَتَهُمْ وَيَتَلَمَّسُ أَعْذَارَهُمْ.

الرَّحْمَةُ صُورَةٌ مِنْ كَمَالِ الفِطْرَةِ وَجَمَالِ الخَلْقِ، تَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى البِرِّ، وَتَهُبُّ عَلَيْهِ في الأَزَمَاتِ نَسِيمَاً عَلِيلَاً تَتَرَطَّبُ مَعَهُ الحَيَاةُ وَتَأْنَسُ لَهُ الأَفْئِدَةُ.

سَعَةُ رَحْمَةِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءَاً وَاحِدَاً، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ».

وَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ مُتَّصِفٌ بِالرَّحْمَةِ صِفَةً لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ، فَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَخَيْرُ الرَّاحِمِينَ، وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَعَمَّ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَمَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَهِيَ تَدْعُو للمُؤْمِنينَ أَثْنَتْ عَلَى رَبِّها وَتَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ العَظِيمَةِ: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾.

وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾. وَقَالَ: ﴿فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظَاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلَّبَ ثَدْيُهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيَّاً فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ.

فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ»؟

قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ.

فَقَالَ: «للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».

رَحْمَةُ اللهِ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَ اللهِ وَعِبَادِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَ اللهِ وَعِبَادِهِ، بِهَا أَرْسَلَ رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ عَلَيْهِمْ، وَبِهَا هَدَاهُمْ، وَبِهَا يُسْكِنُهُمْ دَارَ ثَوَابِهِ، وَبِهَا يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُنْعِمُ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سَبَبُ العُبُودِيَّةِ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سَبَبُ الرَّحْمَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

وَالرَّحْمَةُ تَحْصُلُ للمُؤْمِنِينَ المُهْتَدِينَ بِحَسَبِ هُدَاهُمْ؛ فَكُلَّمَا كَانَ نَصِيبُ العَبْدِ مِنَ الهُدَى أَتَمَّ كَانَ حَظُّهُ مِنَ الرَّحْمَةِ أَوْفَرَ، فَبِرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ شَرَعَ لَهُمْ شَرَائِعَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، بَلْ بِرَحْمَتِهِ جَعَلَ في الدُّنْيَا مَا جَعَلَ مِنَ الأَكْدَارِ حَتَّى لَا يَرْكَنُوا إِلَيْهَا فَيَرْغَبُوا عَنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ، وَأَرْسَلَ رَسُولَهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ؛ فَهُوَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ للعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً﴾.

بَعَثَهُ رَبُّهُ فَسَكَبَ في قَلْبِهِ مِنَ العِلْمِ وَالحِلْمِ، وَفِي خُلُقِهِ مِنَ الإِينَاسِ وَالبِرِّ، وَفِي طَبْعِهِ مِنَ السُّهُولَةِ وَالرِّفْقِ، وَفِي يَدِهِ مِنَ السَّخَاوَةِ وَالنِّدَا مَا جَعَلَهُ أَزْكَى عِبَادِ الرَّحْمَنِ رَحْمَةً، وَأَوْسَعَهُمْ عَاطِفَةً، وَأَرْحَبَهُمْ صَدْرَاً: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

عُمُومُ الرَّحْمَةِ للخَلْقِ كَافَّةً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْلَامُ رِسَالَةُ خَيْرٍ وَسَلَامٍ وَرَحْمَةٍ للبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا؛ دَعَا إلى التَّرَاحُمِ، وَجَعَلَ الرَّحْمَةَ مِنْ دَلَائِلِ كَمَالِ الإِيمَانِ، فَالمُسْلِمُ يَلْقَى النَّاسَ وَفِي قَلْبِهِ عَطْفٌ  وَبِرٌّ مَكْنُونٌ، يُوَسِّعُ لَهُمْ وَيُخَفِّفُ عَنْهُمْ وَيُوَاسِيهِمْ، روى الحاكم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّوا عَلَيْهِ؟».

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ تَحَابُّوا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ.

قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ».

فَلَيْسَ المَطْلُوبُ قَصْرَ الرَّحْمَةِ عَلَى مَنْ تَعْرِفُ مِنْ قَرِيبٍ أَو صَدِيقٍ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةٌ عَامَّةٌ تَسَعُ العَامَّةَ كُلَّهُمْ، وَأَحَادِيثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُبْرِزُ هَذَا العُمُومَ في إِفْشَاءِ الرَّحْمَةِ، وَالحَثِّ عَلَى انْتِشَارِهَا.

روى الإمام البخاري عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

يَقُولُ ابْنُ بَطَالٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فِيهِ (يَعْنِي: فِي هَذَا الحَدِيثُ) الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَهَائِمُ وَالْمَمْلُوكُ مِنْهَا وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ، وَيَدْخُلُ فِي الرَّحْمَةِ التَّعَاهُدُ بِالْإِطْعَامِ، وَالسَّقْيِ وَالتَّخْفِيفِ فِي الْحَمْلِ وَتَرْكِ التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ. اهـ.

مُسْتَجْلِبَاتُ رَحْمَةِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَحْمَةُ اللهِ تُسْتَجْلَبُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِ الإِسْلَامِ: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

كَمَا تُسْتَجْلَبُ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا تُسْتَجْلَبُ بِهِ رَحْمَةُ اللهِ الرَّحْمَةُ بِعِبَادِه، روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

وَمِنْ أَجْلِ هَذَا، فَإِنَّ المُؤْمِنَ قَوِيَّ الإِيمَانِ، يَتَمَيَّزُ بِقَلْبٍ حَيٍّ مُرْهَفٍ لَيِّنٍ رَحِيمٍ، يَرِقُّ للضَّعِيفِ، وَيَأْلَمُ للحَزِينِ، وَيَحْنُو عَلَى المِسْكِينِ، وَيَمُدُّ يَدَهُ إلى المَلْهُوفِ، وَيَنْفِرُ مِنَ الإِيذَاءِ، وَيَكْرَهُ الجَرِيمَةَ، فَهُوَ مَصْدَرُ خَيْرٍ وَبِرٍّ وَسَلَامٍ لِمَا حَوْلَهُ وَمَنْ حَوْلَهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَعَالِيمُ الإِسْلَامِ وَآدَابُ الدِّينِ في هَذَا البَابِ تَتَجَاوَزُ الإِنْسَانَ النَّاطِقَ إلى الحَيَوَانِ الأَعْجَمِ، فَجَنَّاتُ عَدْنٍ تَفْتَحُ أَبْوَابَهَا لِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ سَقَتْ كَلْبَاً فَغَفَرَ اللهُ لَهَا، وَنَارُ جَهَنَّمَ فَتَحَتْ أَبْوَابَهَا لِامْرَأَةٍ حَبَسَتْ هِرَّةً حَتَّى مَاتَتْ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ.

فَإِذَا كَانَتِ الرَّحْمَةُ بِكَلْبٍ تَغْفِرُ ذُنُوبُ البَرَايَا؛ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ بِالبَشَرِ تَصْنَعُ العَجَائِبَ، وَفِي المُقَابِلِ فَإِذَا كَانَ حَبْسُ هِرَّةٍ أَوْجَبَ النَّارَ، فَكَيْفَ بِحَبْسِ البُرَآءِ مِنَ البَشَرِ.

فَبِالرَّحْمَةِ تَجْتَمِعُ القُلُوبُ، وَبِالرِّفْقِ تَتَأَلَّفُ النُّفُوسُ، وَالقَلْبُ يَتَبَلَّدُ مَعَ اللَّهْوِ الطَّوِيلِ وَالمَرَحِ الدَّائِمِ، لَا يَشْعُرُ بِحَاجَةِ مُحْتَاجٍ، وَلَا يُحِسُّ بِأَلَمِ مُتَأَلِّمٍ، وَلَا يُشَاطِرُ في بُؤْسِ بَائِسٍ، وَلَا حُزْنِ مَحْزُونٍ.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».

وَالرَّحْمَةُ لَا تُنْزَعُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ عِيَاذَاً بِاللهِ تَبَارَكَ وتعالى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الرَّحْمَةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 27/ كانون الأول / 2019م

 2019-12-27
 3114
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

08-01-2025 101 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 101
08-01-2025 51 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 51
08-01-2025 34 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 34
08-01-2025 43 مشاهدة
218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، ... المزيد

 08-01-2025
 
 43
08-09-2024 418 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 418
05-08-2024 515 مشاهدة
216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد

 05-08-2024
 
 515

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5632
المقالات 3201
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419946608
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :