205ـ كيف لا نحب الحبيب   !

205ـ كيف لا نحب الحبيب   !

205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ الأَطْيَارُ، وَتُورِقُ الأَشْجَارُ.

في شَهْرِ الرَّبِيعِ نَعِيشُ ذِكْرَى مَوْلِدِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، حَيْثُ قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

نَعِيشُ ذِكْرَى مَنْ أَحْبَبْنَاهُ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإِنْ لَمْ نَرَهُ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا عَظِيمًا، أَنْ شَرَحَ صُدُورَنَا للإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلِمَحَبَّتِهِ، وَنَقُولُ بِكُلِّ عِزٍّ وَافْتِخَارٍ مَا قَالَهُ القَائِلُ:

فَيَا سَاكِنِي أَكْنَافِ طَيْبَةَ كُلُّكُمْ   ***   إلى القَلْبِ مِنْ أَجْلِ الحَبِيبِ حَبِيبُ

فَاللَّهُمَّ رَبَّنَا إِنَّا نُشْهِدُكَ وَنُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ وَرُسُلَكَ، وَسَائِرَ مَا خَلَقْتَ مِنَ العَوَالِمِ التي نَعْلَمُ وَالتي لَا نَعْلَمُ، أَنَّنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنُحِبُّ آلَ بَيْتِهِ الأَطْهَارَ، وَأَصْحَابَهُ جَمِيعًا الأَبْرَارَ، وَنُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَحَبَّ آلَ بَيْتِهِ وَأَصْحَابَه الأَطْهَارَ؛ اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمِتْنَا عَلَى ذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

كَيْفَ لَا نُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ!:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ لَا نُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ! وَقَدْ أَحَبَّهُ الجَمَادُ، مَعَ أَنَّ المَعْهُودَ أَنَّ الإِنْسَانَ هُوَ الذي يُحِبُّ الجَمَادَ إِذَا كَانَ مَنْظَرًا جَمِيلًا؛ أَمَّا أَنْ يُحِبَّ الجَمَادُ الإِنْسَانَ، فَهَذَا غَيْرُ مَأْلُوفٍ وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، لِأَنَّهُ جَمَادٌ لَا يَنْطِقُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ الإِدْرَاكَ حَتَّى في الجَمَادَاتِ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».

وَفي رِوَايَةٍ للإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: «إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».

مَا أَجْمَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» فَقَدَّمَ حُبَّ الجَبَلِ، لِإِظْهَارِ فَضْلِهِ عَلَى سَائِرِ الجِبَالِ، وَمِنَ العَجِيبِ أَنَّ النَّاظِرَ إلى جَبَلِ أُحُدٍ لَا يَجِدُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ مَا يُفَرِّقُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الجِبَالِ، بَلْ إِنَّكَ لَا تَرَى فِيهِ شَجَرًا وَلَا مَاءً وَلَا خُضْرَةً؛ هَنِيئًا لَكَ أُحُدٌ عَلَى هَذِهِ الخُصُوصِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّهُ مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَلَى هَذَا الجَبَلِ أَنْ دُفِنَ في جِوَارِهِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ سَيِّدُنَا حَمْزَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ مَعَ سَائِرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ لَا نُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَحَبَّهُ جِذْعُ النَّخْلَةِ، وَحَنَّ شَوْقًا إِلَيْهِ، روى الدَّارِمِيُّ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، فَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ قِيَامُهُ، فَأُتِيَ بِجِذْعِ نَخْلَةٍ فَحُفِرَ لَهُ، وَأُقِيمَ إِلَى جَنْبِهِ قَائِمٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ فَطَالَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، اسْتَنَدَ إِلَيْهِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ، فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ كَانَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ فَرَآهُ قَائِمًا إِلَى جَنْبِ ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ لِمَنْ يَلِيهِ مِنَ النَّاسِ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَحْمَدُنِي فِي شَيْءٍ يَرْفُقُ بِهِ، لَصَنَعْتُ لَهُ مَجْلِسًا يَقُومُ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ جَلَسَ مَا شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ قَامَ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ائْتُونِي بِهِ».

فَأَتَوْهُ بِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ لَهُ هَذِهِ الْمَرَاقِيَ الثَّلَاثَ أَوِ الْأَرْبَعَ ـ هِيَ الْآنَ فِي مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ ـ فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ رَاحَةً، فَلَمَّا فَارَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْجِذْعَ وَعَمَدَ إِلَى هَذِهِ الَّتِي صُنِعَتْ لَهُ، جَزِعَ الْجِذْعُ، فَحَنَّ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ حِينَ فَارَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وروى الدَّارِمِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَنَّتْ حَنِينَ الْعِشَارِ حَتَّى وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ.

وفي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا: حَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ الْخَلُوجِ.

وفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْرُبُ إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

فَصُنِعَ لَهُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ اللَّاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ؛ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ، وَوُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ الْمِنْبَرَ مَرَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَهُ خَارَ الْجِذْعُ، حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى، صَلَّى إِلَيْهِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ، أَخَذَ ذَاكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ، وَعَادَ رُفَاتًا.

وفي رِوَايَةٍ لابْنِ مَاجَه وَالإِمَامِ أَحْمَدَ وَالدَّارِمِيِّ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وفي رِوَايَةٍ للدَّارِمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ، فَقَالَ: أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّكَ قَائِمٌ؟ فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ، وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ.

فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ، خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ، فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ.

فَلَمَّا الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَكَنَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ، لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».

فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ.

وفي رِوَايَةٍ للدَّارِمِيِّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ حَنِينَ الْجِذْعِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اخْتَرْ أَنْ أَغْرِسَكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ، فَتَكُونَ كَمَا كُنْتَ، وَإنْ شِئْتَ أَنْ أَغْرِسَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَتَشْرَبَ مِنْ أَنْهَارِهَا وَعُيونِهَا، فَيَحْسُنَ نَبْتُكَ، وَتُثْمِرَ فَيَأْكُلَ أَوْلِيَاءُ اللهِ مِنْ ثَمَرَتِكَ وَنَخْلِكَ فَعَلْتُ».

فَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: «نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ» مَرَّتَيْنِ.

فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اخْتَارَ أَنْ أَغْرِسَهُ فِي الْجَنَّةِ».

وروى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى جَنْبِ خَشَبَةٍ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: «ابْنُوا لِي مِنْبَرًا».

فَبَنَوْا لَهُ مِنْبَرًا عَتَبَتَانِ، فَلَمَّا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيَخْطُبَ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعْتُ الْخَشَبَةَ حَنَّتْ حَنِينَ الْوَلَدِ، فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَضَنَهَا، فَسَكَنَتْ.

قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللهِ، الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ.

يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا أَعْطَى اللهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ المَوْتَى، قَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا حَنِينَ الجِذْعِ حَتَّى سَمِعَ صَوْتَهُ، فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ.

نَعَمْ، لَقَدِ اخْتَارَ الجِذْعُ المَشُوقُ الحَنَّانُ أَنْ يَكُونَ في دَارِ الخُلْدِ شَجَرَةً في الجَنَّةِ.

كَيْفَ لَا نُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَحِنُّ إِلَيْهِ، وَهُوَ الذي حَنَّ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ جِذْعٌ مَيِّتٌ جَافٌّ مِنْ شَجَرَةٍ؟ فَمَا أَشَدَّ جَفَافَ قُلُوبِنَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ لَا نُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالحَجَرُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّلَامُ مِنْ مَظَاهِرِ المَحَبَّةِ، فَالإِنْسَانُ غَالِبًا لَا يُسَلِّمُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُ وَيُحِبُّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْعُ يَحُثُّنَا عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى الجَمِيعِ، رَوَى الشَّيخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ».

وَفي رِوَايَةٍ للتِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِمَكَّةَ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الآنَ».

وَفي رِوَايَةٍ للدَّارِمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا، فَمَرَرْنَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ، فَلَمْ نَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، خَيَالُكَ في عَيْنِي، وَذِكْرُكَ في فَمِي، وَمَثْوَاكَ في قَلْبِي، فَأَيْنَ تَغِيبُ.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ لَا تَجْعَلَ في قُلُوبِنَا جَفَاءً وَصُدُودًا وَهِجْرَانًا لِمَنْ أَحَبَّهُ عَالَمُ الأَرْضُ وَعَالَمُ السَّمَاءِ إِلَّا المَرَدَةَ مِنْ عَالَمِ الإِنْسِ وَالجِنِّ. آمين آمين آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/ربيع الأول /1445هـ، الموافق: 16/ أيلول / 2023م

 2023-09-16
 1440
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

30-04-2025 100 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 100
06-04-2025 209 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 209
04-03-2025 332 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 332
08-01-2025 905 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 905
08-01-2025 537 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 537
08-01-2025 449 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 449

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3214
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423231558
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :