218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

كلمة شهر ربيع الآخر 1446

218ـ كن محافظًا على أعظم نعمة أسبغها الله عليك

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ قَدْ لَا يَنْتَفِعُ العَبْدُ مِنْهَا، قَدْ يُعْطِيكَ اللهُ تعالى نِعْمَةَ المَالِ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الجَاهِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا، وَقَدْ يُعْطِيكَ نِعْمَةَ الرِّيَاسَةِ وَالرِّيَادَةِ وَلَا تَنْتَفِعُ مِنْهَا.

بَلْ أَقُولُ: قَدْ تَتَحَوَّلُ هَذِهِ النِّعْمَةُ فِي سَاعَةٍ مِنَ السَّاعَاتِ إِلَى نِقْمَةٍ عَلَيْكَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، تَصَوَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾. أَيُّ نِعْمَةٍ هَذِهِ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ نَتِيجَتَهَا؟

تَصَوَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. أَيُّ نِعْمَةٍ هَذِهِ إِذَا كَانَتْ نَتِيجَتَهَا الكُفْرُ بِاللهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟ وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ فِرْعَوْنَ الَّذِي آتَاهُ اللهُ المُلْكَ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾. وَقَالَ: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾. أَيُّ نِعْمَةٍ هَذِهِ؟

حَتَّى تَبْقَى النِّعْمَةُ نِعْمَةً وَتَنْتَفِعَ مِنْهَا فِي جَمِيعِ عَوَالِمِكَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُوَظِّفَهَا فِيمَا خُلِقْتَ مِنْ أَجْلِهِ، فَمَنْ جَعَلَ نِعَمَ اللهِ تعالى عَلَيْهِ فِيمَا خُلِقَتْ مِنْ أَجْلِهِ انْتَفَعَ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ فِي مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ كُلِّهَا، انْتَفَعَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا، وَفِي حَيَاتِهِ البَرْزَخِيَّةِ، وَفِي الحَيَاةِ الآخِرَةِ.

هَلْ تَدُومُ النِّعَمُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ نِعَمَ اللهِ تعالى عَلَيْنَا قَدْ تَدُومُ وَقَدْ تَزُولُ، وَلَكِنْ فِي نِهَايَةِ المَطَافِ لَا بُدَّ مِنَ الفِرَاقِ، فَالنِّعَمُ إِمَّا أَنْ تُفَارِقَكَ وَأَنْتَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، وَإِمَّا أَنْ تُفَارِقَهَا أَنْتَ بِالمَوْتِ، رَوَى الحَاكِمُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ».

أَعْظَمُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الإِيمَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنْ كُنَّا حَرِيصِينَ عَلَى بَقَاءِ النِّعَمِ فَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ أَبَدًا، وَلَكِنْ أَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ حَرِيصِينَ عَلَى أَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَيْنَا، هَذِهِ النِّعْمَةُ إِنْ دَامَتْ لَكَ انْتَفَعَتْ مِنْهَا وَلَنْ تَتَضَرَّرَ بِهَا أَبَدًا، هَذِهِ النِّعْمَةُ إِنْ حَرَصْتَ عَلَيْهَا انْتَقَلَتْ مَعَكَ فِي جَمِيعِ عَوَالِمِكَ لِتَنْتَفِعَ مِنْهَا، أَلَا وَهِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، فَلْنُحْسِنْ جِوَارَ هَذِهِ النِّعْمَةَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ: «يَا عَائِشَةَ، أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ، فَإِنَّهَا قَلَّ مَا نَفَرتْ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، فَكَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِمْ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّ العُقَلَاءِ يُحَافِظُونَ عَلَى النِّعْمَةِ إِنْ وُجِدَتْ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا شَيْءٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ جَدِيرٌ بِالعَاقِلِ الَّذِي يَحْرِصُ عَلَى النِّعَمِ لِتَدُومَ، أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ الَّتِي تُسْعِدُهُ فِي جَمِيعِ العَوَالِمِ.

حَافِظُوا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَخَاصَّةً فِي زَمَنٍ نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نُدْرِكَهُ حَيْثُ يُصِبُحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا.

حَافِظُوا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ حَتَّى يَغْبِطَكُمْ عَلَى سَعَادَتِكُمُ المُلُوكُ وَالأُمَرَاءُ وَأَصْحَابُ المَالِ وَالجَاهِ، حَافِظُوا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَقُولُوا كَمَا قَالَ ذَلِكَ العَبْدُ الصَّالِحُ: نَحْنُ فِي لَذَّةٍ لَوْ عَلِمَتْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ.

حَافِظُوا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ بِحَيْثُ تَتَفَقَّدُونَ هَذِهِ النِّعْمَةَ: هَلْ هِيَ فِي ازْدِيَادٍ أَمْ فِي نَقْصٍ لَا قَدَّرَ اللهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُصُ الإِيمَانُ لَا قَدَّرَ اللهُ حَتَّى يُدْخِلَ صَاحِبَهُ النَّارَ، تَفَقَّدُوا هَذَا الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ خِلَالِ مُرَاقَبَتِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ هَلْ تَزِيدُ طَاعَاتُكُمْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ تَنْقُصُ؟ فَالإِيمَانُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى يُدْخِلَ صَاحِبَهُ الجَنَّةَ، وَيَنْقُصَ بِالمَعْصِيَةِ حَتَّى يُدْخِلَ صَاحِبَهُ النَّارَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لِي وَلَكُمْ زِيَادَةً في الإِيمَانِ مَعَ الثَّبَاتِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/ ربيع الآخر /1446هـ، الموافق: 4/تشرين الأول / 2024م

 2025-01-08
 70
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

08-01-2025 172 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 172
08-01-2025 86 مشاهدة
220ـ إلا الخيانة والكذب

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 86
08-01-2025 66 مشاهدة
219ـ نعمة الإيمان وأثرها على العبد

أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَى عَبْدِهِ هِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ تعالى مَا نَطَقَ بِهَا العَبْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ ... المزيد

 08-01-2025
 
 66
08-09-2024 440 مشاهدة
217ـ علامة المحبة

هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد

 08-09-2024
 
 440
05-08-2024 540 مشاهدة
216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد

 05-08-2024
 
 540
25-07-2024 350 مشاهدة
215ـ السعيد له دستور

الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد

 25-07-2024
 
 350

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5632
المقالات 3201
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 420107312
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :