656ـ خطبة عيد الفطر 1440 هـ: هذا اليوم هو يوم الجائزة

656ـ خطبة عيد الفطر 1440 هـ: هذا اليوم هو يوم الجائزة

656ـ خطبة عيد الفطر 1440 هـ: هذا اليوم هو يوم الجائزة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: عِيدُ الفِطْرِ المُبَارَكُ يَأْتِي في أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَوَّالٍ بَعْدَ صِيَامٍ، وَقِيَامٍ، وَذِكْرٍ للرَّحْمَنِ، وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الإِحْسَانِ.

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَى الأُمَّةِ الصِّيَامَ، وَسَنَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القِيَامَ، فَأَخَذَتِ الأَرْوَاحُ وَالقُلُوبُ أَعْظَمَ نَصِيبٍ مِنْ غِذَاءِ الإِيمَانِ وَالقُرْآنِ، وَفُطِمَتِ الجَوَارِحُ عَنْ مَأْلُوفَاتِهَا وَعَادَاتِهَا، وَانْكَسَرَتْ ثَوْرَةُ النَّفْسِ وَكُبِحَ جِمَاحُهَا وَتَمَرُّدُهَا، وَجَدَّ المُسْلِمُ وَشَمَّرَ في مَيْدَانِ السِّبَاقِ إلى الخَيْرِ، حَتَّى ارْتَقَى في دَرَجَاتِ الطَّاعَةِ إلى مُسْتَوَىً عَالٍ مِنْ طَهَارَةِ القَلْبِ، وَسُمُوِّ الخُلُقِ، وَلَذَّةِ العِبَادَةِ بِحَسَبِ مَا وَفَّقَ اللهُ العَبْدَ وَأَعَانَهُ.

يَوْمُ الجَائِزَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَى الأُمَّةِ التي اسْتَجَابَتْ لِأَمْرِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَلِأَمْرِ نَبِيِّهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَصَامَتْ وَقَامَتْ، وَجَاهَدَتْ نَفْسَهَا، وَظَهَرَ أَثَرُ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ عَلَيْهَا، مَنَّ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِيَوْمِ عِيدِ الفِطْرِ.

مَنَّ عَلَى الأُمَّةِ بِيَوْمٍ مُبَارَكٍ ابْتَهَجَتْ فِيهِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، وَتَنَزَّلَتْ فِيهِ الخَيْرَاتُ وَالبَرَكَاتُ وَالرَّحَمَاتُ، وَاسْتَجَابَ اللهُ تعالى فِيهِ الدَّعَوَاتِ، وَغَفَرَ اللهُ تعالى للصَّائِمِينَ القَائِمِينَ، وَحُرِمَ غَيْرُهُمْ هَذِهِ النِّعْمَةَ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ وَقَفَتِ المَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ اليَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الجَائِزَةِ».

وروى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْفِطْرِ سُمِّيَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ الجَائِزَةِ، فَإِذَا كَانَتْ غَدَاةَ الفِطْرِ بَعَثَ اللهُ المَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ فَيَهْبِطُونَ إِلَى الْأَرْضِ فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ مَنْ خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الجِنَّ وَالإِنْسَ فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الجَزِيلَ، وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ العَظِيمِ، فَإِذَا بَرَزُوا إلى مُصَلَّاهُمْ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ فَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ رِضَائِي وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، سَلُونِي فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي اليَوْمَ شَيْئَاً فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ فَوَعِزَّتِي لَأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي، فوَعِزَّتِي لَا أَخْزِيكُمْ وَلَا أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الحُدُودِ، انْصَرِفُوا مَغْفُورَاً لَكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُونِي وَرَضِيتُ عَنْكُمْ، فَتَفَرَحُ المَلَائِكَةُ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِمَا يُعْطِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الأُمَّةَ إِذَا أَفْطَرُوا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: في يَوْمِ الجَائِزَةِ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِبِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَإِنْ قَطَعَتْ، عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ في يَوْمِ الجَائِزَةِ بِالإِحْسَانِ وَرِعَايَةِ الزَّوْجَاتِ وَالأَوْلَادِ، وَحَمْلِهِمْ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ عَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ في أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَعَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ أَنْ نُجَنِّبَهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ فَهُمْ أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا اليَوْمُ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، هُوَ يَوْمُ العَطَاءِ، هُوَ يَوْمُ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ تَلْطِيخِ يَوْمِ الجَائِزَةِ بِالقَاذُورَاتِ وَالمَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ.

لِنَأْمُرْ نِسَاءَنَا وَبَنَاتِنَا بِالحِجَابِ وَعَدَمِ السُّفُورِ وَالتَّبَرُّجِ وَعَدَمِ الاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ الأَجَانِبِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ طَوَيْنَا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في رَمَضَانَ الأَوْقَاتِ، وَتَمَتَّعْنَا وَتَلَذَّذْنَا وَتَطَهَّرْنَا بِتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ، وَكَانَ عَدُوُّنَا مُسَلْسَلَاً مَعَ المَرَدَةِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْنَا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، وَالآنَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ بِثَأْرِهِ بِإِبْطَالِ الحَسَنَاتِ، وَتَزْيِينِ السَّيِّئَاتِ، فَلْنَدْحَرْهُ خَاسِئَأً ذَلِيلَاً بِتَوَكُّلِنَا عَلَى اللهِ تعالى، وَبِالتَّحَقُّقِ بِالعُبُودِيَّةِ لَهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾.

وَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

: 1/ شوال /1440هـ، الموافق:  5/حزيران / 2019م

 2019-06-05
 6470
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 616 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 616
23-05-2024 823 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 823
17-05-2024 1109 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1109
10-05-2024 859 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 859
02-05-2024 988 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 988
26-04-2024 967 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415642241
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :