691ـ خطبة الجمعة: الثقة بالله تعالى

691ـ خطبة الجمعة: الثقة بالله تعالى

691ـ خطبة الجمعة: الثقة بالله تعالى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اليَقِينَ بِلُطْفِ اللهِ تعالى يَنْفِي الشُّعُورَ بِاليَأْسِ وَالقُنُوطِ مِنْ مَجِيءِ فَرَجِ اللهِ تعالى وَنَصْرِهِ، وَيُنْشِئُ مَكَانَهُ الأَمَلَ وَالثِّقَةَ بِوَعْدِ اللهِ تعالى وَنَصْرِهِ، كَمَا يُنْشِئُ في القَلْبِ الافْتِقَارَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَفْوِيضَ الأُمُورِ إِلَيْهِ، وَسُؤَالَهُ عَزَّ وَجَلَّ دَائِمَاً حُسْنَ العَاقِبَةِ وَالاخْتِيَارِ.

إِنَّ عِلْمَ العَبْدِ بِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالعَطَاءِ وَالمَنْعِ، وَالخَلْقِ وَالرِّزْقِ، وَالإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ، يُثْمِرُ في قَلْبِهِ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ تعالى بَاطِنَاً، وَلَوَازِمَ التَّوَكُّلِ وَثَمَرَتَهُ ظَاهِرَاً، فَهُوَ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ المَشْرُوعَةِ ثُمَّ يَتَوَكَّلُ عَلَى خَالِقِ الأَسْبَابِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا اليَقِينُ بِاللهِ تعالى يُخَلِّصُنَا مِنَ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ وَالإِحْبَاطِ حَالَ الشَّدَائِدِ وَالابْتِلَاءَاتِ وَغَلَاءِ الأَسْعَارِ، فَلَا يَتَطَرَّقُ الوَهَنُ وَلَا الضَّعْفُ إلى نُفُوسِنَا، مَا دُمْنَا نَرْجُو اللهَ تعالى الفَرَجَ وَالرَّحْمَةَ، بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الحِسَابَاتِ مَعَ أَنْفُسِنَا وَإِصْلَاحِهَا وَتَغْيِيرِ مَا بِهَا.

الصَّبْرُ عَلَى البَلَايَا وَالمَصَائِبِ وَقُوَّةُ الاحْتِمَالِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَقِينُنَا بِلُطْفِ اللهِ تعالى فِينَا، مَعَ مُحَاسَبَتِنَا لِأَنْفُسِنَا وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى يُورِثُنَا الصَّبْرَ عَلَى البَلَايَا وَالمَصَائِبِ وَقُوَّةَ الاحْتِمَالِ، فَلَا نَضْعُفُ وَلَا نَقْلَقُ وَلَا نَيْأَسُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِأَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ رَحْمَنٌ رَحِيمٌ، حَكِيمٌ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، وَنَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّهُ مَا أَجْرَى الذي قَدَّرَهُ عَلَيْنَا لِيُعَذِّبَنَا وَيُشْقِيَنَا، بَلْ أَجْرَاهُ بِحِكْمَتِهِ لِيَرْحَمَنَا وَيَرُدَّنَا إِلَيْهِ رَدَّاً جَمِيلَاً، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً﴾.

نَحْنُ نَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ اللهَ تعالى مَا أَجْرَى الذي قَدَرَهُ عَلَيْنَا إِلَّا لِيَكُونَ تَكْفِيرَاً لِذُنُوبِنَا، أَو لِنَيْلِ نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَا تُنَالُ إِلَّا بِالذي قَدَّرَهُ عَلَيْنَا مِمَّا نُنْكِرُهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا كَانَتِ الابْتِلَاءَاتُ وَالمَصَائِبُ وَالمِحَنُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَصْحَابِهِ الكِرَامِ عَيْنَ الكَرَامَةِ لَهُمْ؟ لَقَدْ زَادَهُمُ اللهُ تعالى بِتِلْكَ الابْتِلَاءَاتِ وَالمَصَائِبِ وَالمِحَنِ شَرَفَاً وَفَضْلَاً وَمَنْزِلَةً وَمَكَانَةً، وَعِزَّاً في الدُّنْيَا، وَعِزَّاً في الآخِرَةِ.

وَهَذَا حَالُ مَنْ سَارَ سَيْرَهُمْ، وَتَتَبَّعَ خُطَاهُمْ، وَعَرَفَ اللهَ كَمَا عَرَفُوهُ، وَالْتَزَمَ شَرْعَ اللهِ تعالى كَمَا الْتَزَمُوهُ في سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ، فَلَمْ تُغَيِّرْهُمُ الابْتِلَاءَاتُ وَلَا المَصَائِبُ وَلَا المِحَنُ.

فَكُلُّ مَنْ سَارَ سَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسَيْرَ أَصْحَابِهِ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ المِحَنِ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

وَأَمَّا مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ مِنَ المِحَنِ فَحَظُّهُ مِنَ الدُّنْيَا حَظُّ مَنْ خُلِقَ لَهَا، وَخُلِقَتْ لَهُ، وَجَعَلَ خَلَاقَهُ وَنَصِيبَهُ فِيهَا دُونَ الآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ مِنَ المِحَنِ حَظُّهُ مِنَ الدُّنْيَا حَظُّ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا رَغَدَاً، وَيَتَمَتَّعُ فِيهَا حَتَّى يَنَالَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الكِتَابِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومَاً مَدْحُورَاً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورَاً * كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَقِينُنَا بِاللهِ تعالى أَنَّهُ لَطِيفٌ بِنَا، رَحِيمٌ بِنَا، يُرِيدُنَا أَنْ نَكُونَ لَهُ، يُرِيدُنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَيْهِ، يُرِيدُنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَيْهِ، يُرِيدُنَا أَنْ نَصْطَلِحَ مَعَهُ، يُرِيدُنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، يُرِيدُنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.

فَوَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ عَيْنُ الرَّحْمَةِ بِنَا، لِأَنَّنَا شَرَدْنَا عَنِ اللهِ تعالى، وَاتَّبَعَ الكَثِيرُ مِنَّا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَخُطُوَاتِ الذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، لِأَنَّنَا أَضَعْنَا إِقَامَةَ الصَّلَاةِ، وَاتَّبَعْنَا الشَّهَوَاتِ.

أَبْشِرُوا بِالخَيْرِ إِذَا اصْطَلَحْنَا مَعَ اللهِ تعالى، إِي وَرَبِّي.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 29/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 24/ كانون الثاني / 2020م

 2020-01-24
 7583
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 616 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 616
23-05-2024 823 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 823
17-05-2024 1109 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1109
10-05-2024 859 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 859
02-05-2024 988 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 988
26-04-2024 967 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415642877
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :