42ـ التقاء أهل الدنيا بأهل البرزخ (2)

42ـ التقاء أهل الدنيا بأهل البرزخ (2)

42ـ التقاء أهل الدنيا بأهل البرزخ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

وَأَمَّا الاجْتِمَاعُ يَقَظَةً بِأَهْلِ البَرْزَخِ وَالاطِّلَاعُ عَلَى أَحْوَالِهِمْ يَقَظَةً؛ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنَالُهُ إِلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ـ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنَ الآخَرِ كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في مَوْضِعِهِ مِنْ كَلَامِ العَارِفِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ إِكْرَامُ اللهِ تعالى لِبَعْضِ أَوْلِيَائِهِ بِالاجْتِمَاعِ يَقَظَةً مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْذِهِمْ عَنْهُ صُنُوفًا مِنَ البَشَائِرِ وَالمَعَارِفِ وَالمَوَاهِبِ الإِلَهِيَّةِ.

كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ ابْنُ المُلَقِّنِ في طَبَقَاتِ الأَوْلِيَاءِ: أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ الجَيَلْانِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَفَعَنَا اللهُ تعالى بِهِ وَبِأَوْلِيَاءِ اللهِ أَجْمَعِينَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، لِمَ لَا تَتَكَلَّمُ ـ أَيْ: عَلَى النَّاسِ ـ فَتَعِظُهُمْ ـ وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَ الشَّيْخُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ـ؟

فَقَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، أَنَا رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ كَيْفَ أَتَكَلَّمُ عَلَى فُصَحَاءِ بَغْدَادَ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَهُ، فَتَفَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سَبْعًا، وَقَالَ لِي: تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾.

قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ: فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ وَجَلَسْتُ ـ أَيْ: للوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ ـ وَحَضَرَ لِي خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأُرْتِجَ عَلَيَّ ـ أَيْ: أُغْلِقَ عَلَيْهِ ـ فَرَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَائِمًا بِإِزَائِي في المَسْجِدِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، لِمَ لَا تَتَكَلَّمُ؟

قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ: قَدْ أُرْتِجَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ؛ فَفَتَحَهُ، فَتَفَلَ فِيهِ سِتًّا.

فَقُلْتُ: لِمَ لَا تُكْمِلُهَا سَبْعًا؟

فَقَالَ: أَدَبًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ تَوَارَى ـ أَيْ: اخْتَفَى ـ.

فَقُلْتُ: غَوَّاصُ الفِكْرِ، يَغُوصُ في بَحْرِ القَلْبِ، عَلَى دُرَرِ المَعَارِفِ، فَيَسْتَخْرِجُهَا إلى سَاحِلِ الصَّدْرِ، فَيُنَادِي عَلَيْهَا تَرْجُمَانُ اللِّسَانِ، فَتُشْتَرَى بِنَفَائِسِ أَثْمَانِ حُسْنِ الطَّاعَةِ ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾. اهـ.

وَسَبَبُ الإِرْتَاجِ عَلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ: أَنَّ التَّفَلَاتِ المُحَمَّدِيَّةَ أَفَاضَتْ عَلَيْهِ مَعَارِفَ جَمَّةً، فَتَزَاحَمَتْ وَتَدَفَّقَتْ عَلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَاءَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعِيَارِ المِعْيَارِ، وَتَقْدِيرِ المِقْدَارِ، لِمَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ، وَالتَّكَلُّمُ بِهِ في المَجْلِسِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ أَيْضًا، في تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ خَلِيفَةَ بْنِ مُوسَى النَّهْرِملكيِّ، أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الرُّؤْيَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقَظَةً وَمَنَامًا.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ نُوحٍ القُوصِيُّ في كِتَابِهِ التَّوْحِيدِ قَالَ: كَانَ للشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ المُرْسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صِلَةٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَدَّ عَليْهِ السَّلَامَ، وَيُجَاوِبُهُ إِذَا تَحَدَّثَ مَعَهُ.

وَذَكَرَ أَيْضًا في كِتَابِهِ التَّوْحِيدِ ـ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ بْنُ أَبِي المَنْصُورِ في رِسَالَتِهِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ الوَنَانِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَبُو العَبَّاسِ الطَّنْجِيُّ قَالَ: وَرَدْتُ عَلَى سَيِّدِي أَحْمَدَ الرِّفَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لِي: مَا أَنَا بِشَيْخِكَ، شَيْخُكَ عَبْدُ الرَّحِيمِ بِقِنَا ـ اسْمُ بَلَدٍ ـ.

قَالَ: فَسَافَرْتُ إلى قِنَا، فَدَخَلْتُ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ لِي: عَرَفْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقُلْتُ: لَا ـ أَيْ: لَمْ أَعْرِفْهُ مَعْرِفَةً خَاصَّةً ـ.

فَقَالَ: رُحْ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ.

قَالَ: فَحِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي في الرِّكَابِ وَإِذَا بِالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالعَرْشِ وَالكُرْسِيِّ كُلُّهَا مَمْلُوءَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: مِنْ أَنْوَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْرَارِهِ المُفَاضَةِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ تعالى، فَرَجَعْتُ إلى الشَّيْخِ.

فَقَالَ لِي: عَرَفْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: الآنَ كَمُلَتْ طَرِيقَتُكَ، لَمْ تَكُنِ الأَقْطَابُ أَقْطَابًا، وَلَا الأَوْتَادُ أَوْتَادًا، وَلَا الأَوْلِيَاءُ أَوْلِيَاءً، إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ في كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ جَزَاهُ اللهُ تعالى خَيْرًا جُمْلَةً وَاسِعَةً مِنْ ذَلِكَ في كِتَابِهِ الحَاوِي.

وَقَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أَيْضًا في رِسَالَتِهِ: قَالَ لِيَ أَبُو العَبَّاسِ الحَرَّارُ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فَوَجَدْتُهُ يَكْتُبُ مَنَاشِيرَ للأَوْلِيَاءِ بِالوِلَايَةِ، وَكَتَبَ لِأَخِي مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ مَنْشُورًا.

قَالَ: وَكَانَ أَخُو الشَّيْخِ كَبِيرًا في الوِلَايَةِ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ وَليٌّ، فَسَأَلْنَا الشَّيْخَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَفَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في وَجْهِهِ فَأَثَّرَتِ النَّفْخَةُ هَذَا النُّورَ.

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مَا أَفَاضَ عَلَيْهِمْ بِوَجَاهَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ اللهِ تعالى. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 11/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 16/ كانون الأول / 2021م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

19-09-2024 68 مشاهدة
64ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)

وَأَمَّا مَا وَرَدَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنِ اعْتِذَارِ الخَلِيلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبَبِ الكَذَبَاتِ، فَإِنَّمَا هِيَ كَذَبَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ، وَقَدْ جَاءَ ... المزيد

 19-09-2024
 
 68
10-09-2024 61 مشاهدة
63ـ عما ورد من نسبة الذنوب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا): الوَجْهُ الثَّانِي: في الجَوَابِ عَمَّا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ الذُّنُوبِ للأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ ... المزيد

 10-09-2024
 
 61
15-08-2024 120 مشاهدة
62ـ حول أحاديث الشفاعة

أَوَّلًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ إِعْلَانٌ بِمَقَامِ سِيَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامٌ لِجَمِيعِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 120
25-07-2024 169 مشاهدة
61ـ الشفاعة وأنواعها

الشَّفَاعَةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: هِيَ انْضِمَامُ الأَدْنَى ـ أَيْ: لُجُوءُهُ وَقَصْدُهُ ـ إلى الأَعْلَى، لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَرُومُهُ، أَيْ: في جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنِ المَشْفُوعِ بِهِ. وَالشَّفَاعَةُ ... المزيد

 25-07-2024
 
 169
11-01-2024 344 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 344
29-12-2023 389 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 389

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4861
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417894182
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :