فيا عباد الله: لَقَد جَعَلَ اللهُ تعالى المَوْتَ حَتْمَاً على جَمِيعِ العِبَادِ من عَالَمِ الإِنْسِ والجِنِّ، بَلْ حَتَّى شَمَلَ جَمِيعَ الحَيَوَانَاتِ، فلا مَفَرَّ لِأَحَدٍ ولا أَمَانَ مِنْهُ ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾. ... المزيد
الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ يَنْظُرُ إلى الابْتِلاءَاتِ والمِحَنِ والشَّدَائِدِ والرَّزَايَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ، لا بِعَيْنِ التَّشَاؤُمِ، يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ من خِلالِ قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. ... المزيد
مقدمة الخطبة: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيا عباد الله، لَقَد خَلَقَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَوَضَعَهُ في مَوَاقِفِ الاخْتِبَارِ والابْتِلاءِ، فَتَارَةً يُنْعِمُ عَلَيْهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ الحَمْدَ على نِعَمِهِ، والشُّكْرَ لَهُ، وَتَارَةً يَبْتَلِيهِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ الصَّبْرَ على مَا أَصَابَهُ، والرِّضَا بِمَا قُدِّرَ لَهُ، وفي الحَالَتَيْنِ، حَالَتَيِ الشُّكْرِ والصَّبْرِ، فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. ... المزيد
عَلَيْنَا بالصَّبْرِ إِذَا أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا في وُجُوهِنَا، فَبِهِ يَفْتَحُ اللهُ لَنَا مَا لَمْ يَكُنْ في حُسْبَانِنَا، عَلَيْنَا بالصَّبْرِ إِذَا ظَلَمَ القَرِيبُ، وَجَارَ البَعِيدُ، عَلَيْنَا بالصَّبْرِ من أَجْلِ الثَّبَاتِ على الحَقِّ وعلى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ ... المزيد
كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ الابْتِلاءَ من اللهِ تعالى خَيْرٌ في حَقِّ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُصِبْ مِنْهُ» رواه الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ... المزيد
نَحْنُ في قَاعَةِ امْتِحَانٍ كَبِيرَةٍ، كُلُّ يَوْمٍ في امْتِحَانٍ جَدِيدٍ، وَكُلُّ مَا في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا امْتِحَانٌ وَابْتِلاءٌ، المَالُ فِيهَا امْتِحَانٌ، والزَّوْجَةُ والوَلَدُ فِيهَا امْتِحَانٌ، الغِنَى والفَقْرُ فِيهَا امْتِحَانٌ ... المزيد
عِنْدَمَا يُحْسِنُ إِلَيْنَا عَبْدٌ من عِبَادِ اللهِ تعالى، بإِسْدَاءِ مَعْرُوفٍ، أَوْ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ على أَمْرٍ من الأُمُورِ، فَإِنَّا لا نَعْرِفُ كَيْفَ نَشْكُرُهُ وَنَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: إِنِّي عَاجِزٌ عَن شُكْرِكَ، وَلَكَ فَضْلٌ عَلَيَّ لا أَنْسَاهُ مَا حَيِيتُ، أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْزِيَكَ عَنِّي خَيْرَاً. ... المزيد
لَقَد أَغْدَقَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا من نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، وآلائِهِ الجَسِيمَةِ، بِمَا لا عَدَّ لَهَا ولا حَصْرَ ... المزيد
سَادَاتُنَا الأَنْبِيَاءُ، وعلى رَأْسِهِم سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَن سَارَ على دَرْبِهِم بِصِدْقٍ هُمُ الصَّالِحُونَ المُصْلِحُونَ الحَقِيقِيُّونَ ... المزيد
لَوْ رَجَعْنَا إلى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَبَعْدَ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّا نَجِدُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ صَالِحَاً، وَبَعْدَ الرِّسَالَةِ صَارَ مُصْلِحَاً. ... المزيد
هِجْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ تُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَكُونُ الإِنْسَانُ مُتَفَائِلاً وَصَاحِبَ أَمَلٍ مَعَ وُجُودِ الأَلَمِ، وَتُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَظْهَرُ النُّورُ من رَحِمِ الظَّلامِ، وَكَيْفَ يَخْرُجُ الخَيْرُ من قَلْبِ الشَّرِّ ... المزيد
مَا أَحْوَجَنَا وَنَحْنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزْمَةَ، وهذا الزَّمَنَ العَصِيبَ، وهذهِ الشَّدَائِدَ والمَصَائِبَ، وهذهِ الهُمُومَ والأَحْزَانَ والأَكْدَارَ، أَنْ نَتَعَلَّمَ الأَمَلَ من هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، الذي كَانَ يَغْرِسُ الأَمَلَ في قُلُوبِ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَسْبَابُ، كُلَّمَا زَادَهُم في الأَمَلِ. ... المزيد
لا تَجْزَعُوا مِمَّا أَصَابَكُم ولا تَحْزَنُوا، فَإِنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ فَائِتَاً، الجَزَعُ والحُزْنُ لا يَرُدُّ مَن مَاتَ، ولا يَرُدُّ مَالاً، ولا يَرُدُّ بَيْتَاً ولا مَحَلَّاً ولا مَزْرَعَةً ولا مَصْنَعَاً، الجَزَعُ والحُزْنُ لا يَرُدُّ هَمَّاً بَلْ يَزِيدُهُ، ولا يُخْرِجُ من كَرْبٍ بَلْ يَزِيدُهُ ... المزيد
المَخَاوِفُ من المُسْتَقْبَلِ المَجْهُولِ كَثِيرَةٌ، والأَمَانُ مِنْهَا يَكُونُ في التَّوَكُّلِ على اللهِ تعالى وَحْدَهُ، وفي الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، الخَوْفُ من وُقُوعِ الكَوَارِثِ والشَّدَائِدِ والمِحَنِ هُوَ بِحَدِّ ذَاتِهِ كَارِثَةٌ، وَقَد يَكُونُ الخَوْفُ أَشَدَّ أَلَماً من وُقُوعِ الكَوَارِثِ والشَّدَائِدِ. ... المزيد
فيا عِبَادَ اللهِ، لِكُلِّ حَيٍّ من البَشَرِ نِهَايَةٌ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ خَاتِمَةٌ، فَيَا شَقَاءَ من كَانَتْ خَاتِمَتُهُ إلى سُوءٍ وَعَذَابٍ، وَيَا سَعَادَةَ مَن كَانَتْ خَاتِمَتُهُ إلى هُدَىً وَصَوَابٍ، وَأَتَاهُ اليَقِينُ وَهُوَ في حَالَةِ تَعْظِيمٍ للهِ تعالى وَلِشَعَائِرِهِ، وَفي شَوْقٍ لأَنْ يَلْحَقَ المُتَّقِينَ الأَبْرَارَ، وَكَانَ مِمَّن خُوطِبَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾. ... المزيد
فيا عِبَادَ اللهِ، في هذا اليَوْمِ المُبَارَكِ تَرَى المُؤْمِنِينَ مُمْتَثِلِينَ أَمْرَ رَبِّهِم عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَمُتَأَسِّينَ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الذي ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ سَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجَلَهُ على صِفَاحِهِمَا؛ كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري ومسلم. ... المزيد
فيا عِبَادَ اللهِ، سُبُلُ البَاطِلِ وطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ لا تَكَادُ تُحْصَرُ، والطَّرِيقُ إلى الله تعالى وَاحِدَةٌ لا تَعَدُّدَ فِيهَا، وَهِيَ صِرَاطُهُ المُسْتَقِيمُ الذي نَصَبَهُ مُوصِلاً لِمَنْ سَلَكَهُ إِلَيْهِ وإلى رِضْوَانِهِ وجَنَّاتِهِ ... المزيد
مَا نَحْنُ فِيهِ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وإلى مُصَابَرَةٍ، يَحْتَاجُ إلى ثَبَاتٍ ويَقِينٍ، إلى ثَبَاتٍ في البَقَاءِ في البَلَدِ دُونَ خُرُوجٍ مِنْهَا، لأَنَّهَا بِلادٌ مُبَارَكَةٌ، لأَنَّهَا بِلادٌ وُلِدْنَا فِيهَا ... المزيد
فيا عِبَادَ اللهِ، بِلادُ الشَّامِ بِلادٌ مُبَارَكَةٌ، شَاءَ النَّاسُ أَمْ أَبَوْا، بِلادٌ مُبَارَكَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد
فيا عِبَادَ اللهِ، بِلادُ الشَّامِ عُمُومَاً مُبَارَكَةٌ، وهُنَاكَ آيَاتٌ من القُرْآنِ المَجِيدِ يُسْتَشْهَدُ فِيهَا بهذا الفَضْلِ، وكذلكَ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ إلى جَنَابِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُسْتَشْهَدُ بِهَا كذلكَ، وآثَارٌ مَوْقُوفَةٌ عن الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ. ... المزيد