498ـ خطبة عيد الفطر: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ﴾

498ـ خطبة عيد الفطر: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ﴾

.

498ـ خطبة عيد الفطر: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا قَدْ رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ عَنَّا، وَكَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على جَمِيعِ النَّاسِ، كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الفَائِزِينَ وَالخَاسِرِينَ، كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الطَّائِعِينَ وَالعَاصِينَ، كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الفَائِزِينَ الطَّائِعِينَ، لِأَنَّهُمْ فَقَدُوا أَيَّامَاً اخْتَصَّهَا اللهُ تعالى بِخَصَائِصَ لَمْ تَكُنْ في غَيْرِهَا، فَقَدُوا أَيَّامَاً مُمْتِعَةً، وَلَيَالِيَ عَامِرَةً، فَقَدُوا النَّهَارَ الذي كَابَدُوهُ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَاتِ، وَفَقَدُوا اللَّيْلَ الذي كَابَدُوهُ بِالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالمُنَاجَاةِ.

كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الفَائِزِينَ الطَّائِعِينَ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا العَوْنَ مِنَ اللهِ تعالى لَهُمْ في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، حَيْثُ صُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَغُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجِنَانِ.

كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الفَائِزِينَ الطَّائِعِينَ، لِأَنَّهُمْ فَقَدُوا شَهْرَ الرَّحَمَاتِ، شَهْرُ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، شَهْرُ إِقَالَةِ العَثَرَاتِ، فَقَدُوا شَهْرَ الدُّعَاءِ الذي كَانَ فِيهِ مُسْتَجَابَاً وَمَسْمُوعَاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَكَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الخَاسِرِينَ العَاصِينَ، كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ حُرِمُوا خَيْرَاتِ هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ، فَرَّطُوا فِيهِ وَكَانُوا مِنَ الخَاسِرِينَ، أُمِرُوا بِالصِّيَامِ فَلَمْ يَصُومُوا، وَأُمِرُوا بِالقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، كَانَ نَهَارُهُمْ ظُلْمَةً في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؛ وَلَيْلُهُمْ وَيْلٌ وَثُبُورٌ عَلَيْهِمْ حَيْثُ الهُمُومُ وَالأَحْزَانُ، كَانَ رَحِيلُهُ مُرَّاً على الخَاسِرِينَ العَاصِينَ، لِأَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِيهِ، وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِذَاكَ النِّدَاءِ: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَحَلَّتْ عَلَيْهِمُ الخَيْبَةُ وَالخُسْرَانُ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ خَاوِيَةً مِنَ التَّقْوَى فَهِيَ خَرَابٌ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ، كَانَ رَحِيلُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْهُمْ مُرَّاً، لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالخُسْرَانِ، فَأَصْبَحَ لَهُمْ خَصْمَاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَا وَيْلَ مَنْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ خَصْمَاً لَهُ، فَكَيْفَ يَرْجُو شَفَاعَتَهُ؟

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنِ اغْتَرَّ بِحِلْمِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ، وَلِمَنْ يَقُولُ: رَبُّنَا غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ طَاعَاتِنَا؛ قُولُوا لَهُ: نَعَمْ رَبُّنَا حَلِيمٌ، وَغَفُورٌ وَرَحِيمٌ، وَلَكِنْ هَلْ نَسِيتُمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ﴾؟

وَهَلْ نَسِيتُمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾؟

وَهَلْ نَسِيتُمُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الحاكم عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْضَرُوا الْمِنْبَرَ».

فَحَضَرْنَا فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: «آمِينَ»، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: «آمِينَ»، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: «آمِينَ».

فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئَاً مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ؟

قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ قُلْتُ: آمِينَ؛ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بُعْدَاً لِمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ قُلْتُ: آمِينَ؛ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ: آمِينَ»؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَفَازَ فِيهِ مَنْ فَازَ، وَخَسِرَ فِيهِ مَنْ خَسِرَ، لَقَدْ فَازَ مَنِ انْدَرَجَ تَحْتَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْـمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ».

وَخَسِرَ مَنْ خَسِرَ نِعْمَةَ القُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى، وَنِعْمَةَ يَوْمِ الجَائِزَةِ، وَلَكِنْ مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى أَنَّهُ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُغْلِقْهُ مَا دَامَتِ الرُّوحُ مُسْتَقِرَّةً في الجَسَدِ، وَلَمْ تَقَعْ في الغَرْغَرَةِ، فَيَا مَنْ شَعَرْتَ بِمَرَارَةِ رَحِيلِ هَذَا الشَّهْرِ، وَكُنْتَ فِيهِ مِنَ الخَاسِرِينَ، فَرَبُّكَ يُنَادِيكَ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ الْـمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. فَلَا تَكُنْ عَنِيدَاً، وَلَا تَكُنْ مَغْرُورَاً، فَاللهُ تعالى يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ.

يَا رَبُّ فَرِّجْ عَنَّا جَمِيعَاً مَا أَهَمَّنَا وَأَغَمَّنَا وَكَرَبَنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الأربعاء: 1/ شوال /1437هـ، الموافق: 6/تموز / 2016م

 2016-07-05
 2141
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 616 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 616
23-05-2024 823 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 823
17-05-2024 1110 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1110
10-05-2024 859 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 859
02-05-2024 988 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 988
26-04-2024 967 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415643145
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :