666ـ خطبة الجمعة: «فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً»

666ـ خطبة الجمعة: «فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً»

666ـ خطبة الجمعة: «فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ نِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا في يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى أَنْ شَرَعَ لَنَا الأُضْحِيَةَ، لِنُشَارِكَ بِهَا أَهْلَ مَوْسِمِ الحَجِّ، فَإِنْ كَانَ للحُجَّاجِ الحَجُّ وَالهَدْيُ، وَبِهِ تُغْفَرُ ذُنُوبُهُمْ، فَلَنَا وَللهِ الحَمْدُ الأُضْحِيَةُ التي تُغْفَرُ بِهَا ذُنُوبُنَا.

روى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟

قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ».

قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ».

قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ».

وروى الترمذي وابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً».

وروى الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «قُوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبُكَ».

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً، أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟

قَالَ: «بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».

الأُضْحِيَةُ اقْتِدَاءٌ بِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الأُضْحِيَةُ التي أُمِرْنَا بِهَا بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَالَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ: الأُضْحِيَةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ في كُلِّ عَامٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، عَلَى أَنْ يَكُونَ مُقِيمَاً، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى المُسَافِرِ، وَأَنْ يَكُونَ غَنِيَّاً، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الفَقِيرِ، وَأَنْ يَكُونَ بَالِغَاً عَاقِلَاً، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى القَاصِرِ وَالصَّبِيِّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَمَّا فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا: الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.

وَالأَوْلَى بِالمُسْلِمِ إِذَا كَانَ غَنِيَّاً أَنْ يُضَحِّيَ كُلَّ عَامٍ، إِذَا كَانَ مُقِيمَاً غَنِيَّاً، خُرُوجَاً مِنَ الخِلَافِ، وَهُوَ الأَسْلَمُ لِدِينِهِ.

وَفِيهَا اقْتِدَاءٌ بِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الذي أُمِرَ بِذَبْحِ فِلْذَةِ كَبِدِهِ، فَصَدَّقَ الرُّؤْيَا، وَلَبَّى الأَمْرَ، وَتَلَّهُ للجَبِينِ، فَنَادَاهُ اللهُ تعالى وَفَدَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.

فَفِي ذَبْحِ الأَضَاحِي إِحْيَاءُ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَتَضْحِيَةٌ بِشَيْءٍ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ تعالى عَلَى الإِنْسَانِ شُكْرَاً للهِ صَاحِبِ النِّعْمَةِ وَمُسْدِيهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ كَانَ مِمَّنْ وَسَّعَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في الرِّزْقِ فَلْيَكُنْ حَرِيصَاً عَلَى الأُضْحِيَةِ، مُتَأَسِّيَاً وَمُقْتَدِيَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ وَقْتٍ للتَّضْحِيَةِ هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ، لِحَدِيثِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا» رواه الإمام البخاري.

وَآخِرُ وَقْتٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ آخِرُ وَقْتٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ هُوَ اليَوْمُ الرَّابِعُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا فِيهِ رِضَاهُ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 8/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 9/ آب / 2019م

 2019-08-09
 3208
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 615 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 615
23-05-2024 822 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 822
17-05-2024 1108 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1108
10-05-2024 858 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 858
02-05-2024 987 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 987
26-04-2024 966 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 966

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415641674
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :