756ـ خطبة الجمعة: شهر الرحمة والمغفرة

756ـ خطبة الجمعة: شهر الرحمة والمغفرة

756ـ خطبة الجمعة: شهر الرحمة والمغفرة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ قَدْ أَهَلَّ عَلَيْنَا، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ بَلَّغَنَا إِيَّاهُ، فَهُوَ فُرْصَةٌ نَادِرَةٌ وَثَمِينَةٌ، هُوَ شَهْرُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، أَسْبَابُ الطَّاعَةِ فِيهِ مُيَسَّرَةٌ وَللهِ الحَمْدُ، وَعَوَامِلُ الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ مَحْدُودَةٌ، فُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأَبْوَابُ الجِنَانِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ في كُلِّ لَيْلَةٍ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ لَمْ تَنَلْهُ الرَّحْمَةُ فِيهِ فَمَتَى يَنَالُهَا؟ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِمَغْفِرَةِ اللهِ تعالى فِيهِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ يَتَأَهَّلُ لَهَا؟ وَمَنْ خَاضَ في هَذَا الشَّهْرِ وَلَمْ يُطَهَّرْ مِنْ ذُنُوبِهِ فَمَاذَا يُطَهِّرُهُ؟

أَبْعَدَهُ اللهُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ».

قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ».

يَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُ المَلَائِكَةِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَيِّدُ الكَوْنَيْنِ وَسَيِّدُ البَشَرِ يُؤَمِّنُ عَلَى الدُّعَاءِ، فَهَلْ يُشَكُّ في اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ؟

مَنْ يُرْضِيهِ أَنْ يَكُونَ مَشْمُولًا بِهَذَا الدُّعَاءِ؟ مَنْ يُرْضِيهِ أَنْ يُبْعِدَهُ اللهُ تعالى، وَيَطْرُدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ؟

مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ يَسْأَلُونَ اللهَ تعالى سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبلِّغَهُمْ رَمَضَانَ، فَإِذَا بُلِّغُوهُ سَأَلُوهُ أَنْ يُوَفِّقَهُمْ فِيهِ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمُ الجِدَّ وَالنَّشَاطَ وَحُسْنَ الاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَكْمَلُوهُ سَأَلُوا اللهَ تعالى بَقِيَّةَ السَّنَةِ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنْهُمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ تَعِيشُونَ أَيَّامَ البَلَاءِ وَالغَلَاءِ، هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

أَيْنَ اللَّائِذُ بِجَنَابِ اللهِ تعالى؟ أَيْنَ المُتَعَرِّضُ لِرَحَمَاتِ اللهِ تعالى؟ أَيْنَ البَاكِي عَلَى مَا جَنَى؟ أَيْنَ المُسْتَغْفِرُ؟ أَيْنَ المُصْطَلِحُ مَعَ اللهِ تعالى قَبْلَ أَنْ يُنْقَلَ مِنْ دِيوَانِ الأَحْيَاءِ إلى دِيوَانِ الأَمْوَاتِ؟

تَــزَوَّدْ مِـنَ الـدُّنْيَا فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي    ***   إِذَا جَـنَّ لَـيْلٌ هَـلْ تَـعِيشُ إلى الفَجْرِ

وَكَــمْ مِنْ سَلِيمٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ   ***   وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ

وَكَـمْ مِنْ فَتًى يُمْسِي وَيُصْبِحُ لَاهِيًا   ***   وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهُـــوَ لَا يَدْرِي

فَـكُــنْ مُخْـلِصًا وَاعْمَلِ الخَيْرَ دَائِـمًا   ***   لَعَلَّكَ تَــحْـــظَى بِـالمَثُوبَةِ وَالأَجْــرِ

وَدَاوِمْ عَلَى تَــقْـوَى الإِلَــهِ فَــإِنَّهَـا   ***   أَمَانٌ مِنَ الأَهْوَالِ في مَـوْقِــفِ الحَشْرِ

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/ رمضان /1442هـ، الموافق: 16/نيسان / 2021م

 2021-04-16
 5114
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 616 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 616
23-05-2024 823 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 823
17-05-2024 1110 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1110
10-05-2024 859 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 859
02-05-2024 988 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 988
26-04-2024 967 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415642918
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :