812ـ خطبة الجمعة: المحافظة على العهد ورعايته

812ـ خطبة الجمعة: المحافظة على العهد ورعايته

812ـ خطبة الجمعة: المحافظة على العهد ورعايته

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا﴾. لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى بِالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَالوَفَاءُ بِالعَهْدِ وَصْفٌ رَبَّانِيٌّ حَمِيدٌ، وَخُلُقٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ، وَسُلُوكٌ إِسْلَامِيٌّ نَبِيلٌ، جَعَلَهُ اللهُ تعالى صِفَةً لِأَنْبِيَائِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾. فَوَعَدَ أَبَاهُ بِالصَّبْرِ حِينَ قَالَ لَهُ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. وَلَمْ يُخْلِفُ وَعْدَهُ الذي وَعَدَهُ أَبَاهُ.

الوَفَاءُ بِالوَعْدِ وَالعَهْدِ صِفَةُ أَوْلِيَاءِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾.

المُحَافَظَةُ عَلَى العَهْدِ وَرِعَايَتُهُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ في الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ  مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَكَثِيرٌ مِنَّا إِنْ لَمْ نَكُنْ كُلُّنَا كُنَّا قَبْلَ حُلُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ نَرْجُو وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُبَلِّغَنَا شَهْرَ رَمَضانَ، وَوَعَدْنَاهُ إِنْ مَدَّ في أَعْمَارِنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى مِنَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ التي كُنَّا نَرْتَكِبُهَا قَبْلَ رَمَضَانَ، وَأَنَّ عَلَاقَتَنَا مَعَهُ سُبْحَانَهُ سَوْفَ تَتَحَسَّنُ أَحْوَالُهَا، وَأَنَّنَا سَوْفَ نُصْبِحُ أَكْثَرَ إِقْبَالًا عَلَى الآخِرَةِ بِالاجْتِهَادِ بِالطَّاعَاتِ وَبِصَالِحِ الأَعْمَالِ.

وَهَا قَدْ بَلَّغَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ، وَحَاوَلْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ المُوَفِّينَ لِعُهُودِنَا التي عَاهَدْنَا اللهَ تعالى عَلَيْهَا، وَمُرَاعِينَ للوَعْدِ الذي قَطَعْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالتَّوْبَة وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى، وَالالْتِزَامِ بِالاتِّبَاعِ قَدْرَ المُسْتَطَاعِ.

أَفَئِنِ انْصَرَمَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَتَمَّ وَانْقَضَى عُدْنَا إلى الحَالِ التي كُنَّا عَلَيْهَا قَبْلَ رَمَضانَ، وَأَخْلَلْنَا بِالالْتِزَامِ الذي الْتَزَمْنَاهُ مَعَ خَالِقِنَا وَنَقَضْنَا العُهُودَ وَالمَوَاثِيقَ التي أَخَذَهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ تعالى سَائِلُنَا يَوْمَ القِيَامَةِ لَا مَحَالَةَ عَنْ هَذِهِ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ، وَسَوْفَ يُكَافِئُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِمَا يَسْتَحِقُّ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَقْضَ عَهْدِ اللهِ تعالى إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَمَعْصِيَةٌ عَظِيمَةٌ، لَا يُقْدِمُ عَلَيْهَا مُؤْمِنٌ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، يَخْشَى اللهَ وَيَتَّقِيهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تعالى أَنَّ نَقْضَ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ تُمَثِّلُ بَابًا كَبِيرًا للفِتْنَةِ في الأَرْضِ وَالإِفْسَادِ فِيهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

نَتِيجَةُ نَقْضِ العَهْدِ في الدُّنْيَا فَسَادٌ في الأَرْضِ، وَأَمَّا في الآخِرَةِ فَخُسْرَانٌ مُبِينٌ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ نَكُونَ مِنَ المُوَفِّينَ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدُوا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 28/رمضان /1443هـ، الموافق: 29/ نيسان / 2022م

 2022-04-29
 2318
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 616 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 616
23-05-2024 823 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 823
17-05-2024 1110 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1110
10-05-2024 859 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 859
02-05-2024 988 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 988
26-04-2024 967 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415643703
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :