824ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1443 هـ العيد الحقيقي

824ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1443 هـ العيد الحقيقي

824ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1443 هـ

العيد الحقيقي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَيَّامُ العِيدِ هِيَ مِنْ أَكْبَرِ الفُرَصِ للعَوْدَةِ إلى اللهِ تعالى الحَيِّ القَيُّومِ المُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ، وَمَنْ لَمْ يَعُدْ إلى اللهِ تعالى فَمَا اسْتَفَادَ مِنَ العِيدِ شَيْئًا.

حَقِيقَةُ العِيدِ أَنْ نَعُودَ إلى اللهِ تعالى مُمْتَثِلِينَ أَمْرَهُ مُجْتَنِبِينَ نَهْيَهُ، وَمِنَ الوَاجِبِ عَلَى المُسْلِمِ الذي يَعِيشُ أَيَّامَ العِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَرْحَامَهُ بِالصِّلَةِ وَالزِّيَارَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَمَا ذَاقَ حَلَاوَةَ أَيَّامِ العِيدِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تُحْسِنَ إلى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ يَكُونَ قَلْبُكَ سَلِيمًا لَا غِلَّ فِيهِ ولَا حِقْدَ وَلَا حَسَدَ وَلَا ضَغِينَةَ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تُعِيدَ الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا، العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ يَأْمَنَكَ النَّاسُ لَا أَنْ يَخَافَكَ النَّاسُ وَيَتَّقُوا شَرَّكَ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ».

احْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَكْثَرْتُمْ مِنَ النَّوَافِلِ في عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، أَكْثَرْتُمْ مِنَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، وَأَنْتُمْ تَبْحَثُونَ وَتَتَطَلَّعُونَ إلى مَغْفِرَةِ اللهِ تعالى لَكُمْ، كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الوَالِدَيْنِ، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ قَاطِعَ الرَّحِمِ وَعَاقَّ الوَالِدَيْنِ مَلْعُونَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.

أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ قَاطِعَ الرَّحِمِ وَعَاقَّ الوَالِدَيْنِ مَقْطُوعَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، لِمَا صَحَّ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ».

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَوِّجُوا طَاعَاتِكُمُ التي وَفَّقَكُمُ اللهُ تعالى إِلَيْهَا في هَذِهِ الأَيَّامِ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ بِالشَّعِيرَةِ العَظِيمَةِ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَهِيَ الأُضْحِيَّةُ.

فَقَدْ ضَحَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن ِنَفْسِهِ وَعَنْ أُمَّتِهِ، وَحَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى التَّضْحِيَةِ، وَلَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ إِلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، إِمَّا مِنَ الإِبِلِ، أَو البَقَرِ، أَو الغَنَمِ، وَتَجُوزُ الأُضْحِيَّةُ بِالشَّاةِ وَالكَبْشِ، كَمَا تَجُوزُ بِالمَاعِزِ.

وَكَذَلِكَ يَجُوزُ للإِنْسَانِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ بَعْضِ مَوْتَاهُ مِنْ أُصُولٍ أَوْ فُرُوعٍ أَوْ زَوْجٍ، بِشَرْطِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ أُضْحِيَّةً، وَثَانِيَةً عَنِ المُتَوَفَّى، وَيُكْتَبُ أَجْرُ الأُضْحِيَّةِ للمَيْتِ، سَوَاءٌ أَوْصَى أَو لَمْ يُوصِ، كَمَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ إِنْ أُدِّيَتْ لَهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا العِيدَ عِيدَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

السبت: 10/ذو الحجة /1443هـ، الموافق: 9/ تموز / 2022م

 2022-07-09
 1769
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 615 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 615
23-05-2024 822 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 822
17-05-2024 1108 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 1108
10-05-2024 858 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 858
02-05-2024 987 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 987
26-04-2024 966 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 966

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3168
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415641763
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :