هُنَاكَ ثَمَّ أَقْوَامٌ نَوَّرَ اللهُ تعالى بَصَائِرَهُمْ، وَأَرَادَ لَهُمُ الهِدَايَةَ فَبَحَثُوا عَنِ الحَقِّ مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِهِ، وَعَنِ الدِّينِ القَوْيمِ مِنْ أَجْلِ اعْتِنَاقِهِ، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ. ... المزيد
إِنَّ إِبْلَاغَ كَلِمَةِ الحَقِّ للنَّاسِ إِعْذَارٌ إلى اللهِ تعالى، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمَاً اللهِ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابَاً شَدِيدَاً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. ... المزيد
لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تعالى الخَلْقَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَجَعَلَهُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِيَتَعَارَفُوا، لَا لِيَفْخَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالأَنْسَابِ أَو الأَحْسَابِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الأَكْرَمَ عِنْدَ اللهِ هُوَ الأَتْقَى، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. ... المزيد
قَالَ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾. مَنْ أَرَادَ جَنَّةَ اللهِ تعالى وَرِضْوَانَهُ فَعَلَيْهِ بِاتِّبَاعِ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ مَصَابِيحُ الهُدَى. مِنْ جُمْلَةِ هَؤُلَاءِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَيِّدُنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الذي كَانَ عَلَمَاً مِنْ أَعْلَامِ التَّارِيخِ الإِسْلَامِيِّ، وَبَطَلَاً مِنْ أَبْطَالِهِ المَيَامِينَ. ... المزيد
وَاقِعُنَا مَرِيرٌ، يُدْمِعُ العَيْنَيْنَ، وَيُحْزِنُ القَلْبَ، أَهَذِهِ هِيَ الأُمَّةُ التي زَكَّاهَا اللهُ تعالى بِالوَسَطِيَّةِ وَالاعْتِدَالِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾؟ ... المزيد
شَبَابُنَا وَشَابَّاتُنَا اليَوْمَ هَدَفٌ لِأَعْدَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَدْ تَنَوَّعَتْ وَسَائِلُهُمْ لِيُوقِعُوا شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا فِي شِرَاكِهِمْ، وَلِيَزُجُّوا بِهِمْ في وَحْلِ الفِتْنَةِ تَارَةً، وَيُلْقُوا عَلَيْهِمُ الشُّبُهَاتِ تَارَةً أُخْرَى، لِيُورِدُوهُمْ وَيُرْدُوهُمْ في مُسْتَنْقَعِ الهَوَى وَالشَّهَوَاتِ، وَيُغْرِقُوهُمْ في المُلْهِيَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ. ... المزيد
مَا مِنْ أُمَّةٍ بَادَتْ، وَأُمَّةٍ سَادَتْ، إِلَّا مِنْ خِلَالِ شَبَابِهَا الذينَ هُمْ عُمْدَتُهَا، بِحَيْثُ يُؤَثِّرُونَ فِيهَا سَلْبَاً أَو إِيجَابَاً، فَالشَّبَابُ وَالشَّابَّاتُ يَدْفَعُونَ عَجَلَةَ تَارِيخِ الأُمَّةِ نَحْوَ أَمَلٍ مُشْرِقٍ وَمُسْتَقْبَلٍ مُضِيءٍ، أَو يَرُدُّونَهَا إلى الوَرَاءِ جَهْلَاً وَحُمْقَاً. ... المزيد
فَيَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، أَنْتُمُ الأَمَلُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَفِيكُمُ الخَيْرُ العَظِيمُ، وَلَكِنَّ الذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً، فَلَا تَكُونُوا ضَحَايَاهُمْ. ... المزيد
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ التي هِيَ بَيْنَ مَرْحَلَةِ الضَّعْفَيْنِ مَرْحَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَخَطِيرَةٌ، إِنِ اسْتُغِلَّتْ في الخَيْرِ وَالطَّاعَةِ وَالقُرُبَاتِ فَيَا فَوْزَ مَنْ وُفِّقَ لِذَلِكَ ـ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ ـ. ... المزيد
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ يَمُرُّ في مَرَاحِلَ مُتَعَدِّدَةٍ، الأُولَى مَرْحَلَةُ الضَّعْفِ، وَالثَّانِيَةُ مَرْحَلَةُ القَوَّةِ، وَالثَّالِثَةُ مَرْحَلَةُ الضَّعْفِ وَالشَّيْبَةِ، قَالَ تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفَاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾. ... المزيد
إِنَّ طَلَبَ الحَلَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ صَارَ عَصِيَّاً عَلَى العُقُولِ فَهْمَاً، وَثَقِيلَاً عَلَى الجَوَارِحِ فِعْلَاً، وَذَلِكَ بِسَبَبِ قِلَّةِ الفِقْهِ في الدِّينِ وَالتَّعَلُّقِ بِالمَادَّةِ، وَقَدْ تَرَكَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، أَلَا إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. ... المزيد
مِن هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَهْتَمُّونَ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ، وَيُرَاقِبُونَهُمْ مُرَاقَبًةً شَدِيدَةً، مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. ... المزيد
مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الإِنْسَانَ الدَّاعِيَ إلى اللهِ تعالى، وَالمَسْؤُولَ عَنْ رَعِيَّتِهِ هُوَ بِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ جِدَّاً إلى أَنْ يُطَبِّقَ مَا يَقُولُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَبَايُنٌ بَيْنَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَمِنْ غَيْرِ رَعِيَّتِهِ. فَمَنْ قَالَ للنَّاسِ حُسْنَاً وَعَمِلَ حَسَنَاً فَهُوَ بِحَقٍّ يَدْعُو إلى اللهِ تعالى الذي يَدْعُو إلى دَارِ السَّلَامِ، وَمَنْ قَالَ للنَّاسِ حَسَنَاً وَعَمِلَ سَيِّئَاً فَهُوَ بِحَقٍّ لِسَانُ حَالِهِ يَدْعُو إلى النَّارِ، وَقَدْ سَلَكَ مَسْلَكَ الشَّيْطَانِ ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ ... المزيد
مِنْ صِفَةِ الحُكَمَاءِ وَأَخْلَاقِهِمْ الحِلْمُ، وَيُعَرَّفُ الحِلْمُ بِأَنَّهُ ضَبْطُ النَّفْسِ وَالطَّبْعِ عِنْدَ هَيَجَانِ الغَضَبِ، وَقَدْ أَثْنَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صِفَةِ الحِلْمِ، وَعَلَى المُتَّصِفِينَ بِهِ في الكِتَابِ وَالسُّنَّة كَثِيرَاً، وَقَدْ أَثْنَى عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾. ... المزيد
قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾. فَلَو كَانَتْ هُنَاكَ خَصْلَةٌ أَنْفَعَ للعِبَادِ في العَاجِلِ وَالآجِلِ مِنْ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَأَوْصَاهُمُ اللهُ بِهَا، فَلَمَّا أَوْصَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَانَتِ التَّقْوَى هِيَ الغَايَةُ. ... المزيد
لَقَدْ جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلَى كَرَاهِيَةِ مَنْ يَسْتَطِيلُ عَلَيْهَا وَيَحْتَقِرُهَا وَيَسْتَصْغِرُهَا، كَمَا جُبِلَتْ عَلَى النَّفْرَةِ مِمَّنْ يَتَكَبَّرُ عَلَيْهَا وَيَتَعَالَى عَنْهَا، حَتَّى وَلَو كَانَ مَا يَقُولُهُ حَقَّاً وَصِدْقَاً. ... المزيد
أَهَمُّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ العُمُرِ هِيَ مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ الشَّبَابِ مِنَ العُمُرِ إِنَّمَا يُبْنَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامَ الشَّبَابِ، هَذِهِ المَرْحَلَةُ هِيَ أَحْلَى وَأَقْوَى أَيَّامِ العُمُرِ. ... المزيد
خُلُقُ الرِّفْقِ خُلُقٌ عَظِيمٌ مِنَ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ التي حَثَّ عَلَيْهَا شَرْعُنَا الحَنِيفُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى، مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخُلُقِ الرِّفْقِ فَقَدْ فَازَ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. ... المزيد
عَلَيْنَا أَنْ نُقَدِّمَ لِأَنْفُسِنَا أَعْمَالَاً تُبَيِّضُ وُجُوهَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. ... المزيد
أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ، كَانُوا رِجَالَاً تَعْرِضُ لَهُمُ الشَّهَوَاتُ، وَتُحِيطُ بِهِمُ المَلَذَّاتُ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا، لَقَدْ كَانُوا جِبَالَاً رَاسِيَاتٍ في إِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَزَائِمُ مَاضِيَةٌ لَا تَلِينُ، وَكَانُوا رِجَالَاً عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَى الثَّبَاتِ وَعَدَمِ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ اليَقِينُ ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾. ... المزيد