الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في تَحْدِيدِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ المُؤَثِّرِ في تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَثُبُوتِ المَحْرَمِيَّةِ المُفِيدَةِ لِجَوَازِ النَّظَرِ وَالخَلْوَةِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الأَصَحُّ المُفْتَى بِهِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ: إِنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ المُؤَثِّرِ في التَّحْرِيمِ حَوْلَانِ، فَلَا يُحَرِّمُ بَعْدَ حَوْلَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾. وَقَالُوا: جَعَلَ اللهُ تعالى الحَوْلَيْنِ الكَامِلَيْنِ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ تَمَامِ الرَّضَاعَةِ شَيْءٌ؛ وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾.
وَقَالَ المَالِكِيَّةُ يُشْتَرَطُ في التَّحْرِيمِ أَنْ يَرْتَضِعَ في حَوْلَيْنِ أَو بِزِيَادَةِ شَهْرٍ أَو شَهْرَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُدَّةُ الرَّضَاعِ المُحَرِّمِ حَوْلَانِ وَنْصْفٌ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرَاً﴾. يَعْنِي :مُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ شَهْرَاً.
وبناء على ذلك:
فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ رَضَاعُ ابْنَتِكِ مِنْ عَمَّتِهَا لَا يُحَرِّمُ، خِلَافَاً للمَالِكِيَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ. هذا، والله تعالى أعلم.