لو أحسن الظن بربه

10287 - لو أحسن الظن بربه

09-04-2020 3877 مشاهدة
 السؤال :
كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ حَدِيثِ: لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ؛ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ الذي أُمِرَ بِهِ إلى النَّارِ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنِّي بِكَ يَا رَبُّ، فَأَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ إلى الجَنَّةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10287
 2020-04-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَدِيثُ الأَوَّلُ هُوَ كَلَامُ سَيِّدِنَا الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، يَقُولُ: إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ لَهُمْ حَسَنَةٌ، يَقُولُ: إِنِّي لَحَسَنُ الظَّنِّ بِرَبِّي، وَكَذَبَ؛ لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ. رواه ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

أَمَّا الحَدِيثُ الثَّانِي فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: يأْمُرُ اللهُ تَعَالَى بِإِخْرَاجِ رَجُلَيْنِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَخْرُجَانِ بِسَلَاسِلِهِمَا وَأَغْلَالِهِمَا فَيُوقَفَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: كَيْفَ وَجَدْتُمَا مَقِيلَكُمَا وَمَصِيرَكُمَا؟

فَيقُولَانِ: شَرُّ مَقِيلٍ، وَأَسْوَأُ مَصِيرٍ.

فَيقُولُ: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمَا، وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَيَأْمُرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ.

فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَيمْضِي بِسَلَاسِلِهِ وَأَغْلَالِهِ حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيمْضِي وَهُوَ يتَلَفَّتُ؛ فَيَأْمُرُ بِرَدِّهِمَا.

فَيقُولُ لِلَّذِي غَدَا بِسَلَاسِلِهِ وَأَغْلَالِهِ حَتَّى اقْتَحَمَهَا: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ وَقَدِ اخْتَرْتَهَا؟

فَيقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ ذُقْتُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِكَ مَا لَمْ أَكُنْ أَتَعَرَّضْ لِسَخَطِكَ ثَانِيًا.

وَيَقُولُ لِلَّذِي مَضَى وَهُوَ يتَلَفَّتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟

قَالَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنِّي بِكَ يَا رَبِّ.

قَالَ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟

قَالَ: كَانَ ظَنِّي حَيْثُ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنَّكَ لَا تُعِيدُنِي إِلَيْهَا.

قَالَ: إِنِّي عِنْدَ ظَنِّكَ بِي، وَأَمَرَ بِصَرْفِهِمَا إِلَى الْجَنَّةِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ كَلَامِ سَيِّدِنَا الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَبَيْنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، لِأَنَّ كَلَامَ سَيِّدِنَا الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَتَعَلَّقُ بِالعَبْدِ وَهُوَ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا، حَيْثُ يَعِيشُ العَبْدُ بِالأَمَانِيِّ مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى المَعْصِيَةِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.

وَقَدْ أَكَّدَ اللهُ تعالى في آخِرِ سُورَةِ الكَهْفِ عَلَى وُجُوبِ العَمَلِ لِمَنْ يَرْجُو النَّجَاةَ وَالفَوْزَ وَالفَلَاحَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. وَهَذَهِ الآيَةُ فَسَّرَهَا سَيِّدُنَا الحَسَنُ بِقَوْلِهِ الذي ذَكَرَهُ، وَقَوْلُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَأْكِيدٌ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.

أَمَّا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ، فَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ عَبْدَيْنِ دَخَلَا نَارَ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَأَخْرَجَهُمَا اللهُ تعالى مِنْهَا، فَظَنَّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ اللهَ تعالى لَنْ يُرْجِعَهُ إلى النَّارِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا، لِأَنَّ دَارَ الآخِرَةِ لَا عَمَلَ فِيهَا حَتَّى يَنْجُوَ العَبْدُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ، بَلْ بِمَحْضِ الفَضْلِ، فَقَالَ العَبْدُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنِّي بِكَ يَا رَبُّ. هذا، والله تعالى أعلم.

3877 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2025-05-14
 488
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». فَمَا تَفْسِيرُ شَرْحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»؟
 السؤال :
 2025-02-27
 426
جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ». مَاذَا يُفِيدُ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ؟
 السؤال :
 2025-02-27
 642
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِغَاثَةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 479
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا». وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 479
مَا شَرْحُ الحَدِيثِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»؟
 السؤال :
 2024-08-08
 1151
مَا مَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424809010
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :