المواطن التي يسأل فيها العبد الرجعة يوم القيامة

125 - المواطن التي يسأل فيها العبد الرجعة يوم القيامة

24-04-2007 32976 مشاهدة
 السؤال :
ما هي المواطن التي يسأل فيها العبد الرجعة، ويشعر بالحسرة والندامة، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا لكي يعمل صالحاً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 125
 2007-04-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يَصِفُ لنَاَ القُرْآنُ العَظِيمُ رَغْبَةَ العَبْدِ الكَافِرِ في العَوْدَةِ إلى الدُّنْيَا لِكَيْ يَعْمَلَ صَالِحَاً، مُنْذُ لَحْظَةِ مَوْتِهِ، وَنَزْعِ رُوحِهِ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى خُلُودِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وَهُنَاكَ في القُرْآنِ العَظِيمِ عَشْرَةُ مَوَاطِنَ يَسْأَلُ فِيهَا العَبْدُ الرَّجْعَةَ أَو يَشْعُرُ بِالحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ:

المَوْطِنُ الأَوَّلُ: عِنْدَ المَوْتِ وَنَزْعِ الرُّوحِ، يَقُولُ تعالى في سُورَةِ المُؤْمِنُونَ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. عِنْدَمَا وَقَعَ في سِيَاقِ المَوْتِ، وَكُشِفَ عَنْ بَصَرِهِ، وَرَأَى نُزُلَهُ مِنَ النَّارِ، سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ لِيَعْمَلَ صَالِحَاً.

المَوْطِنُ الثَّانِي: في مَوْقِفِ الحَشْرِ بَعْدَ البَعْثِ، عِنْدَمَا صَارَ الغَيْبُ شَهَادَةً عِنْدَهُ، يَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحَاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾.

المَوْطِنُ الثَّالِثُ: حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ، يَتَحَدَّثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟ يَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ﴾.

المَوْطِنُ الرَّابِعُ: يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَنْ شُفَعَاءَ لَهُمْ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا بِالمَغْفِرَةِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُرَدُّوا إلى الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِاسْتِئْنَافِ رِحْلَةٍ جَدِيدَةٍ في العَمَلِ الصَّالِحِ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.

المَوْطِنُ الخَامِسُ: يَرَوْنَ أَنَّ مَطَالِبَهُمْ عِنْدَ المَوْتِ وَمَوَاقِفِ الحَشْرِ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهَا، وَبَاؤُوا بِالفَشَلِ، وَيَقِفُونَ عَلَى النَّارِ، يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُرَدُّوا إلى الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ العَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

المَوْطِنُ السَّادِسُ: بَعْدَ أَنْ يُكَبُّوا في النَّارِ وَيُعَذَّبُوا فِيهَا، يَتَجَدَّدُ لَدَيْهِمْ أَمَلٌ بِأَنْ يُرَدُّوا إلى الدُّنْيَا، يَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمَاً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾.

المَوْطِنُ السَّابِعُ: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا اصْطَرَخُوا وَضَجُّوا قَدْ يُسْتَجَابُ لِطَلَبِهِمْ، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحَاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾.

المَوطِنُ الثَّامِنُ: عِنْدَمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِمُ العَذَابُ بِدُونِ انْقِطَاعٍ، يَطْلُبُونَ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمَاً مِنَ العَذَابِ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، قَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمَاً مِنَ العَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾.

المَوْطِنُ التَّاسِعُ: عِنْدَمَا يَيْأَسُونَ يَأْسَاً نِهَائِيَّاًً مِنَ الخُرُوجِ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمِنَ التَّخْفِيفِ مِنْ عَذَابِهَا، يُنَادُونَ مَالِكَاً خَازِنَ النَّارِ: لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ، أَيْ يَدْعُونَ بِالمَوْتِ الأَبَدِيِّ، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، قَالَ تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.

المَوْطِنُ العَاشِرُ: بَعْدَ كُلِّ الذي سَبَقَ لَا يَبْقَى لَهُمْ إِلَّا تَمَنِّي أَنْ يَكُونُوا تُرَابَاً، كَمَا صَارَتِ البَهَائِمُ تُرَابَاً بَعْدَ بَعْثِهَا، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابَاً﴾.

أَمْرٌ تَشِيبُ لَهُ الوِلْدَانُ، فَهَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ وَمُعْتَبِرٍ؟ فَهَلْ مِنْ تَالٍ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُتَدَبِّرٍ؟ هَلَّا عَرَفَ الوَاحِدُ مِنَّا أَعْمَالَهُ، هَلْ هِيَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَمْ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ؟ هَلْ بِوُسْعِ الوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَجْعَلَ يَوْمَ مَوْتِهِ يَوْمَ عُرْسِهِ مِنْ خِلَالِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَأَلَّا يَكُونَ عَمَلُهُ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى لَا يَسْأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأَحْوَالِ التي ذُكِرَتْ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين آمين آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
32976 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 307
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1468
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 664
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1731
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1456
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 984
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414945678
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :