أهمية الأدب

13520 - أهمية الأدب

15-03-2025 129 مشاهدة
 السؤال :
إِنْسَانٌ يُسِيءُ الأَدَبَ مَعَ وَالِدَيْهِ وَإِخْوَتِهِ، فَهَلْ مِنْ نَصِيحَةٍ لَهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13520
 2025-03-15

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَأَدَبُ الظَّاهِرِ عُنْوَانٌ عَلَى أَدَبِ البَاطِنِ، وَالإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ، فَالجَسَدُ مُدْرَكٌ بِالبَصَرِ، وَالرُّوحُ مُدْرَكَةٌ بِالبَصِيرَةِ، وَالنَّفْسُ المُدْرَكَةُ بِالبَصِيرَةِ أَعْظَمُ قَدْرًا مِنَ الجَسَدِ المُدْرَكِ بِالبَصَرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾.

كَمِ الفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ الجَسَدِ وَالرُّوحِ، فَالجَسَدُ مَنْسُوبٌ إِلَى الطِّينِ، وَالرُّوحُ مَنْسُوبَةٌ إلى رَبِّ العَالَمِينَ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: الأَدَبُ يَرْفَعُ الأَحْسَابَ الوَضِيعَةَ، قَالُوا: مَنْ قَعَدَ بِهِ حَسَبُهُ نَهَضَ بِهِ أَدَبُهُ، فَمَنْ لَا أَدَبَ لَهُ لَا خَيْرَ فِيهِ.

مَا وَهَبَ اللهُ لِامْرِئٍ هِبَةً   ***   أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ

هُمَا حَيَاةُ الفَتَى فَإِنْ فُقِدَا   ***   فَـإِنَّ فَـقْدَ الحَيَاةِ أَحْسَنُ بِهْ

وَيَقُولُ ابْنُ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ: أَدَبُ الْمَرْءِ عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ، وَقِلَّةُ أَدَبِهِ عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَبَوَارِهِ.

فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمِثْلِ الْأَدَبِ، وَلَا اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهُمَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الْأَدَبِ.

فَانْظُرْ إِلَى الْأَدَبِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ: كَيْفَ نَجَّى صَاحِبَهُ مِنْ حَبْسِ الْغَارِ حِينَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ؟ وَالْإِخْلَالُ بِهِ مَعَ الْأُمِّ ـ تَأْوِيلًا وَإِقْبَالًا عَلَى الصَّلَاةِ ـ كَيْفَ امْتُحِنَ صَاحِبُهُ بِهَدْمِ صَوْمَعَتِهِ وَضَرْبِ النَّاسِ لَهُ، وَرَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ؟ اهـ. كَذَا فِي مَدَارِجِ السَّالِكِينَ.

وَجَاءَ في المُعْجَمِ الكَبِيرِ للطَّبَرَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، قَالَ: قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ: تَذَاكَرْنَا الْبِرَّ عِنْدَ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ أَبُو حَرْبٍ: تَذَاكَرْنَا الْبِرَّ عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: تَذَاكَرْنَا الْبِرَّ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا فَقَالَ: «إِنَّهُ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ رَجُلٌ مُتَعَبِّدٌ صَاحِبُ صَوْمَعَةٍ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ، وَكَانَتْ تَأْتِيهِ فَتُنَادِيهِ، فَيُشْرِفُ عَلَيْهَا فَيُكَلِّمُهَا، فَأَتَتْهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مُقْبِلٌ عَلَيْهَا، فَنَادَتْهُ فَحَكَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَجَعَلَتْ تُنَادِيهِ رَافِعَةً رَأْسَهَا، وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى جَبْهَتِهَا: أَيْ جُرَيْجُ، أَيْ جُرَيْجُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ جُرَيْجٌ: أَيْ رَبِّ، أُمِّي أَوْ صَلَاتِي، فَغَضِبَتْ فَقَالَتِ: اللهُمَّ لَا يَمُوتَنَّ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ.

ثَالِثًا: بِالأَدَبِ يَتَرَقَّى الإِنْسَانُ دُنْيَا وَأُخْرَى، انْظُرْ إِلَى أَدَبِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟

قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ.

فَأَقَامَ بِلَالٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُهُ: أَنْ يُصَلِّيَ؛ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ وَرَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ إِلَّا التَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ».

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هَذَا الأَدَبُ أَوْرَثَهُ المَكَانَةَ العُظْمَى بَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ خَلِيفَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

رَابِعًا: الوَالِدُ وَالوَلَدُ مَسْؤُولَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْحَاطِبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَإِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ.

وَجَاءَ فِي تُحْفَةِ المَوْدُودِ: عَنِ الْحسَنِ، وَسَأَلَهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾.

فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذِهِ قُرَّةُ الْأَعْيُنِ؟ أَفِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْآخِرَةِ؟

قَالَ: لَا بَلْ وَاللهِ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: وَاللهِ أَنْ يُرِيَ اللهُ العَبْدَ مِنْ زَوْجَتِهِ، مِنْ أَخِيهِ، مِنْ حَمِيمِهِ طَاعَةَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى وَلَدًا أَوْ وَالِدًا أَوْ حَمِيمًا أَوْ أَخًا مُطِيعًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَنَا أَنْصَحُ هَذَا الشَّابَّ وَكُلَّ شَابٍّ بِالصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ، بِصُحْبَةِ أَهْلِ الأَدَبِ، لِأَنَّهُ مَنْ جَالَسَ جَانَسَ؛ وَلْيَعْلَمْ كُلٌّ مِنَّا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي أُسْرَةٍ لَا يَنْتَشِرُ الأَدَبُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا.

لَيْسَ اليَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ   ***   إِنَّ اليَتِيمَ يَتِيمُ العِلْمِ وَالأَدَبِ

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

لَيْسَ اليَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِـنْ   ***   هَمِّ الحَيَاةِ، وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلًا

إِنَّ اليَتِيمَ لَــمَنْ تَــلْقَى لَــــهُ     ***   أُمًّـا تَخلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولًا

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا جَمِيعًا آبَاءً وَأُمَّهَاتٍ وَأَبْنَاءً لِحُسْنِ الأَدَبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

129 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  بر الوالدين وصلة الأرحام

 السؤال :
 2022-12-25
 766
رَجُلٌ أُصِيبَ وَالِدُهُ بِمَرَضِ الإِيدز، وَهُوَ خَائِفٌ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ، فَمَاذَا يَصْنَعُ مَعَ وَالِدِهِ؟
 السؤال :
 2020-07-16
 3048
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَصِلَ خَالَتَهُ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا، وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهَا؟
 السؤال :
 2020-07-02
 992
مَا حُكْمُ مُنَادَةِ الوَالِدِ: يَا حَاج، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للأُمِّ؟
 السؤال :
 2019-05-23
 4899
هل هناك علاقة بين وصل الرحم والرزق؟
 السؤال :
 2019-03-22
 21787
ما هو الواجب عليَّ وعلى إخوتي وأخواتي تجاه زوجة أبي؟ وهل هي من الأرحام التي يجب صلتها؟
 السؤال :
 2018-10-06
 2476
زوجتي صاحبة دين وخلق، وأنا وإياها في حالة تفاهم ووفاق، ولكن والديَّ يطلبان مني أن أطلقها، وأنا لا أرغب، وإذا لم أطلق سيطردانني إن دخلت بيتهما، فهل أعتبر قاطعاً للرحم إذا لم أطلق، ومنعاني من وصلهما؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424799698
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :