الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَخِي الكَرِيمُ: تَذَكَّرْ بِأَنَّ الإِسْلَامَ جَعَلَ مِنَ الفَرْدِ المُسْلِمِ قُدْوَةً لِغَيْرِهِ، فَالمُسْلِمُ إِمَامٌ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَتْبُوعٌ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ، لِأَنَّ المُسْلِمَ قُدْوَتُهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الكَامِلُ المُكَمَّلُ، حَيْثُ إِنَّ المُتَأَسِّي بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ مَمْدُوحَ السِّيرَةِ في الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ.
وَلَا يَلِيقُ يَا أَخِي الكَرِيمُ بِالمُسْلِمِ الكَامِلِ المَتْبُوعِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنِ الآدَابِ التي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: «أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي» رواه العسكري في الأمثال وابن عساكر وابن السمعاني وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَيُصْبِحُ بَعْدَ ذَلِكَ تَابِعَاً وَلَا يَدْرِي عَنْ هُوِيَّةِ مَتْبُوعِهِ شَيْئَاً.
أَتَرْضَى يَا أَخِي الكَرِيمُ أَنْ تُحْشَرَ مَعَ هَؤُلَاءِ الذينَ تُقَلِّدُهُمْ في لِبَاسِكَ وَهِنْدَامِكَ وَمَظْهَرِكَ؟ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَؤُلَاءِ في الظَّاهِرِ يَجْعَلُ قَلْبَكَ يَمِيلُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا مَالَ الإِنْسَانُ بِقَلْبِهِ إلى هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ مَسَّتْهُ النَّارُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
أَوَمَا عَلِمْتَ يَا أَخِي الكَرِيمُ أَنَّهُ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ حُشِرَ مَعَهُمْ؟ أَتَرْضَى أَنْ تُكَثِّرَ سَوَادَ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ؟ أَتَرْضَى أَنْ تُكَثِّرَ سَوَادَ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ الذينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً﴾؟
أَلَا تُرِيدُ يَا أَخِي الكَرِيمُ أَنْ تُحْشَرَ مَعَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً؟
أَلَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» رواه مسلم؟ وَمَنْ أَحَبَّ اتَّبَعَ، فَلِمَنْ تَتَّبِعُ؟
أَخِي الكَرِيمُ: رُبَّمَا جَرَحَكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ بِكَلَامِهِمُ القَاسِي، وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ قَوْلَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا مُوسَى وَلِسَيِّدِنَا هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عِنْدَمَا أَرْسَلَهُمَا إلى فِرْعَوْنِ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلَاً لَيِّنَاً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾. وَلَكِنْ ثِقْ يَا أَخِي الكَرِيمُ تَمَامَاً بِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا مَعَكَ بِأُسْلُوبِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ دَافِعِ الحُبِّ لَا مِنْ دَافِعِ الكَرَاهِيَةِ.
عَلَى كُلِّ حَالٍ: اجْعَلْ قُدْوَتَكَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْعَدُ وَتُفْلِحُ دُنْيَا وَأُخْرَى.
وَأَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالحِفْظَ مِنَ الفِتَنِ كُلِّهَا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَنَرْجُوهُ أَنْ لَا يَجْعَلَنَا فِتْنَةً، وَأَنْ لَا يَفْتِنَ أَحَدَاً بِنَا، وَنَحْنُ نَقْرَأُ قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. حَفِظَكُمُ اللهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |