الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَاجِبَةٌ، بَلْ هِيَ أَوْجَبُ مِنْ طَاعَتِهَا لِوَالِدَيْهَا، وَلَكِنْ في حُدُودِ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا أَمَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بِمَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ بَلْ تَحْرُمُ، لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا مِنَ اللهِ شَيْئَاً، وَعَلَيْهَا أَنْ تَتَحَمَّلَ أَذَاهُ وَتَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ في سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَعُودَ إلى مَا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ.
ثانياً: يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا إِبْدَاءُ زِينَتِهَا إِلَّا أَمَامَ مَنْ أَبَاحَ اللهُ تعالى لَهَا إِبْدَاءَ زِينَتِهَا أَمَامَهُمْ، وَهُمْ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ للمَرْأَةِ أَنْ تُوَاجِهَ إِخْوَةَ الزَّوْجِ، وَلَا أَعْمَامَهُ، وَلَا أَخْوَالَهُ، وَلَا أَصْهَارَهُ، فَضْلَاً عَنْ أَصْدِقَائِهِ، فَإِذَا أَمَرَهَا بِمُوَاجَهَةِ غَيْرِ الذينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تعالى في الآيَةِ، وَهُمُ ـ الزَّوْجُ، وَالأَبُ، وَأَبُ الزَّوْجِ، وَالابْنُ، وَابْنُ الزَّوْجِ، وَالأَخُ، وَابْنُ الأَخِ، وَابْنُ الأُخْتِ، وَالمَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْصِيَةٍ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». متفق عليه.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ». رواه أبو نعيم في الحلية.
ثالثاً: أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ يَتَحَمَّلُ الوِزْرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَفِي رَقَبَتِهِ، هَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُ سَيَتَحَمَّلُ الوِزْرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَكُونُ الوِزْرُ عَلَيْهِ مُضَاعَفَاً، لِأَنَّهُ آمِرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِأَنَّ الذي يَفْعَلُ المَعْصِيَةَ دُونَ أَنْ يَأْمُرَ بِهَا فَعَلَيْهِ وِزْرُ مَعْصِيَتِهِ، أَمَّا إِذَا فَعَلَهَا وَأَمَرَ بِهَا فَعَلَيْهِ وِزْرَانِ، وِزْرُ المَعْصِيَةِ، وَوِزْرُ الأَمْرِ بِهَا، وَالعِيَاذُ بِاللِه تعالى. وَإِذَا فَعَلَتِ المَرْأَةُ مَا أَمَرَهَا بِهِ زَوْجُهَا مِنْ مَعْصِيَةٍ فَعَلَيْهَا الوِزْرُ كَذَلِكَ مَعَ زَوْجِهَا.
رابعاً: لَا شَكَّ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرَاً أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللهِ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤَدِّي المَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ». رواه الإمام ابن ماجه.
وَمَعْنَى عَلَى قَتَبٍ: أَيْ لَو كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ. فَطَاعَتُهَا لِزَوْجِهَا وَاجِبَةٌ، وَلَكِنْ إِبْدَاءُ الزِّينَةِ لِمَنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا حَرَامٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ، وَلْتَكُنِ المَرْأَةُ في حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى لِحَدِيثِ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ». رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُصْلِحَنَا جَمِيعَاً. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |