الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالنَّمِيمَةُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمُحَرَّمَةٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ». رواه مسلم.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ـ أَيْ: في نَظَرِ الخَلْقِ ـ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» أخرجه البخاري.
وَالوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِ عِنْدَمَا يَسْمَعُ النَّمِيمَةَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
أولاً: أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، لِأَنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ.
ثانياً: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَأْمُرَهُ بِالمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُذَكِّرَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: الْحَدَثُ حَدَثَانِ: حَدَثُ اللِّسَانِ، وَحَدَثُ الْفَرْجِ، وَحَدَثُ اللِّسَانِ أَشَدُّ مُنْ حَدَثِ الْفَرْجِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئَاً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا في أَمْرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾. وَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾. وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: العَفْوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدَاً.
ثالثاً: أَنْ يُبْغِضَهُ في اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَيَجِبُ بُغْضُ مَنْ يُبْغِضُهُ اللهُ تعالى.
رابعاً: أَنْ لَا يَظُنَّ بِالمَنْقُولِ عَنْهُ السُّوءَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
خامساً: أَنْ لَا يَحْمِلَهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾.
وَوَاقِعُنَا عَلَى عَكْسِ مَا كُلِّفْنَا بِهِ شَرْعَاً، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَنَرْجُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا للالْتِزَامِ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ تُجَاهَ النَّمَّامِ، وَوَاللهِ لَوِ الْتَزَمْنَا بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ تُجَاهَ النَّمَّامِ لَكُنَّا سُعَدَاءَ، نَرْجُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْرِمَنَا بِذَلِكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |