الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ طَاعَةَ الوَالِدَيْنِ، وَطَاعَةَ أَيِّ مَخْلُوقٍ مِنَ البَشَرِ، مُقَيَّدَةٌ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» متفق عليه.
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام أحمد.
ثانياً: رِضَاءُ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ مِنْ رِضَاءِ اللهِ تعالى، كَمَا أَنَّ سَخَطَ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تعالى، هَذَا إِذَا كَانَا لَا يَأْمُرَانِ الوَلَدَ بِمَعْصِيَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ أَمَرَاهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَةَ وَالِدَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
ثالثاً: عَوْرَةُ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ أَمَامَ الرِّجَالِ جَمِيعُ بَدَنِهَا، مَا عَدَا الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ فَفِيهِمَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِهِمَا إِذَا خُشِيَتِ الفِتْنَةُ. وَقَدَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟
قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، عَنِ السَّيِّدَةِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟!».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تُوَافِقَ وَالِدَكَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وَافَقْتَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا قَدَّرَ اللهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى زَوْجَتِكَ أَنْ تُوَافِقَكَ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ.
وَإِنَّ كَشْفَ رَأْسِ المَرْأَةِ أَمَامَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ ـ وَإِخْوَتُكَ رِجَالٌ أَجَانِبُ عَنْهَا ـ حَرَامٌ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ.
وَوَالِدُكُ يَأْمُرُكَ في هَذَا الحَالِ بِالمُنْكَرِ، وَيَنْهَاكَ عَنِ المَعْرُوفِ، وَفِي ذَلِكَ خَطَرٌ عَلَى دِينِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ يَسْتَحِلُّ هَذَا.
وَتَذَكَّرْ يَا أَخِي وَذَكِّرْ وَالِدَكَ بِأَصْلِ عَقْدِ الزَّوَاجِ الذي تَمَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَكِيلِ زَوْجَتِكَ، أَنْتَ تَزَوَّجْتَ هَذِهِ المَرْأَةَ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهَلْ هَذَا الأَمْرُ الذي يَطْلُبُهُ وَالِدُكَ مِنْكَ، لِتُلْزِمَ زَوْجَتَكَ بِهِ، مِنْ شَرْعِ اللهِ تعالى في شَيْءٍ؟ قَطْعًا عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.
وَعَلَيْكَ أَنْ تُحْسِنَ الصُّحْبَةَ مَعَ وَالِدِكَ وَإِخْوَتِكَ، وَلَا تَقْطَعِ الرَّحِمَ، وَلَا تَقَعْ في عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ، وَامْنَعْ زَوْجَتَكَ مِنَ الاخْتِلَاطِ مَعَ إِخْوَتِكَ، وَإِنَّ غَضَبَ وَالِدِكَ لَا يَضُرُّك في هَذِهَ الحَالَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |