الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيَّاً سِتِّيراً لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ ـ مُحَرَّكَةٌ بَيَاضٌ يَظْهَرُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ لِفَسَادِ مِزَاجٍ ـ وَإِمَّا أُدْرَةٌ ـ نَفْخَةٌ فِي الْخُصْيَةِ ـ وَإِمَّا آفَةٌ.
وَإِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلَا يَوْماً وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ـ فَرَّ وَمَضَى مُسْرِعاً ـ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ ـ أَيْ أَعْطِنِي ثَوْبِي، أَوْ رُدَّ ثَوْبِي، وَحَجَرُ بِالضَّمِّ عَلَى حَذْفِ النِّدَاءِ ـ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَاناً أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ ـ أَخَذَ وَشَرَعَ ـ بِالْحَجَرِ ضَرْباً بِعَصَاهُ، فوالله إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَباً مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهاً﴾».
ثانياً: روى الترمذي عن بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟
قَالَ: «إِن اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَاهَا».
قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً؟
قَالَ: «فاللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِن النَّاسِ».
ومن هذا المُنطَلَقِ بَوَّبَ الإمامُ البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في صَحِيحِهِ بَاباً، فقال: بَابُ من اغتَسَلَ عُرياناً وَحْدَهُ في الخَلوَةِ، ومن تَسَتَّرَ فالسِّترُ أفضَلُ.
وبناء على ذلك:
فلا حَرَجَ من أن يَغتَسِلَ الإنسانُ عُرْيَاناً إذا كَانَ لِوَحْدِهِ، ولكن التَّسَتُّرُ أفضَلُ، فإنَّ اللهَ تعالى أحَقُّ أن يُستَحيا مِنهُ من النَّاسِ، وروى الإمام أحمد عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُل الْحَمَّامَ إِلَّا بِإِزَارٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ».
وهذا إذا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ، والأكمَلُ والأفضَلُ أن يَستَتِرَ ولو كَانَ لِوَحْدِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |