الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
الرُّقْيَة: العُوذَةُ التِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الآفَةِ وهِيَ جَائِزَةٌ شَرعاً، لقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». رواهُ الإمامُ البُخَاريُّ
وروى الإمَامُ أحمَد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ دُعِيَ لِامْرَأَةٍ بِالْمَدِينَةِ لَدَغَتْهَا حَيَّةٌ لَيَرْقِيَهَا فَأَبَى فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاه.ُ
فَقَالَ عَمْرٌو: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تَزْجُرُ عَنْ الرُّقَى.
فَقَالَ: «اقْرَأْهَا عَلَيَّ».
فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ إِنَّمَا هِيَ مَوَاثِيقُ فَارْقِ بِهَا».
أمَّا الحَدِيث فِي صِفَةِ أَهْلِ الجَنَّةِ الذَينَ يَدخُلُونَهَا بِغَيرِ حِسَابٍ، فَهُوَ صِفَةُ الأَولِيَاءِ والمُقَرَّبِينَ المُعرِضِينَ عَن أسبَابِ الدُّنيَا الذِينَ لَا يَلتَفِتُونَ إلى شَيءٍ مِن عَلَائِقِهَا.
وتِلكَ دَرَجَةُ الخَوَاصِّ لَا يَبلُغُهَا غَيرُهُم، وأَمَّا العَوَامُّ أمثَالُنَا فَمُرَخَّصٌ لَهُم فِي التَّدَاوِي والمُعَالَجَاتِ، وَمَن صَبَرَ عَلى البَلاءِ، وانتَظَرَ الفَرَجَ مِنَ اللهِ تَعالى بالدُّعَاءَ كَانَ مِن جُملَةِ الخَوَاصِّ والأَولِياءِ.
أَلَا تَرَى أنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لَمَّا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَم يُنكِر عَليهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِلماً مِنهُ بِيَقِينِهِ وصَبرِهِ، ولمَّا أتَاهُ الرَّجُلُ بِمِثْلِ بَيضَةِ الحَمَامِ مِنَ الذَّهَبِ، وقَالَ: لا أَملِكُ غَيرَهُ، ضَرَبَهُ بِهِ، بِحَيثُ لَو أصَابَهُ عَقَرَهُ.
وبناء على ذلك:
فالحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَاريُّ، ومَعنَى لَا يَسْتَرْقُونَ يَعنِي لَا يَطلُبُونَ الرُقيَةَ، اعتِمَاداً مِنهُم عَلى اللهِ، وهَذِهِ مَرتَبَةُ الخَوَاصِّ. هذا، والله تعالى أعلم.