الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الظُّلْمُ قَبِيحٌ، وأَشَدُّ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ ظُلْمُ القَرِيبِ، كَمَا قِيلَ:
وظُلْمُ ذَوِي القَرَابَةِ أَشَدُّ مَضَاضَةً *** على النَّفْسِ من وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
ثانياً: مُقَابَلَةُ الإِحسَانِ بالإِسَاءَةِ هذا من شَأْنِ اللِّئَامِ، وسُوءِ المُعَاشَرَةِ، وسُوءِ الخُلُقِ، وهوَ لا يَلِيقُ بالإِنسَانِ المُسْلِمِ.
ثالثاً: يَجِبُ عَلَينَا أَنْ نَتَعَلَّمَ خُلُقَ الوَفَاءِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، حَيثُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَوْفَى النَّاسِ، وكَانَ من وَفَائِهِ لِزَوْجَاتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ قَرَابَتَهُنَّ، روى الحاكم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت: جَاءَتْ عَجُوزٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وهوَ عِنْدِي.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَن أَنْتِ؟».
قَالَتْ: أَنَا جُثَامَةُ المُزَنِيَّةُ.
فَقَالَ: «بَل أَنْتِ حَسَّانَةُ المُزَنِيَّةُ، كَيفَ أَنْتُمْ؟ كَيفَ حَالُكُمْ؟ كَيفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟».
قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولُ اللهِ.
فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُقْبِلُ على هذهِ العَجُوزِ هذا الإِقْبَالَ؟
فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ العَهْدِ من الإِيمَانِ».
وعِنْدَمَا جَاءَ وَفْدٌ من الحَبَشَةِ، قَامَ بِخِدْمَتِهِمْ بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، روى البيهقي عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَامَ يَخْدِمُهُمْ.
فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ.
فَقَالَ: «إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ».
وبناء على ذلك:
فهذا الرَّجُلُ يَجِبُ أَنْ يُذَكَّرَ بِخُلُقِ الوَفَاءِ، وأَنْ يُحَذَّرَ من الظُّلْمِ، لأَنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ، وعلى الأُخْتِ أَنْ تَصْبِرَ وتَحْتَسِبَ الأَمْرَ عِنْدَ اللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.
فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِن اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ». هذا، واللهُ تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |