الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وأبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيَّاً حَلَقَ بَعْضَ شَعْرِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ.
فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ».
وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ».
وَمِنْ إِكْرَامِ الشَّعْرِ تَنْظِيفُهُ بِالغَسْلِ وَالتَّدْهِينِ وَالتَّرْجِيلِ (التَّسْرِيحِ) لِأَنَّ النَّظَافَةَ وَحُسْنَ المَنْظَرِ مَحْبُوبٌ وَمَطْلُوبٌ.
وَإِطَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ سُنَنِ العَادَةِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُطِيلُ شَعْرَهُ حَتَّى يَصِلَ إلى مَنْكِبَيْهِ، روى الإمام مسلم عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
المَنْكَبُ: هُوَ مُجْتَمَعُ رَأْسِ العَضُدِ مَعَ الكَتِفِ.
وبناء على ذلك:
فَإِطَالَةُ الشَّعْرِ بِقَصْدِ الاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَذَلِكَ بِنِيَّتِهِ.
وَمَنْ أَطَالَ شَعْرَهُ اتِّبَاعَاً، لَا يَكُونُ حَلِيقَ اللِّحْيَةِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ اللِّحْيَةِ وَاجِبٌ، فَهَلِ المُتَّبِعُ يُتْرُكُ الوَاجِبَ، وَيُطَبِّقُ السُّنَّةَ؟
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ في هَذَا الزَّمَنِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَالذي جَرَى عَلَيْهِ العُرْفُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُطِيلُ شَعْرَهُ، لِذَا لَا يَنْبَغِي لِذَوِي الشَّرَفِ وَالجَاهِ أَنْ يُطِيلُوا شُعُورَهُمْ، لِأَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الفُسَّاقِ أَطَالُوا شُعُورَهُمْ وَحَلَقُوا لِحَاهُمْ، وَكَادَ أَنْ يَكُونَ عُرْفَاً لَهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.