الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَقُولُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرَاً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتَاً * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرَاً عَظِيمَاً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً﴾.
أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾؟
لَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِغَضِّ البَصَرِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ القَلْبُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، لِأَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ القَلْبُ انْقَادَتْ جَمِيعُ الجَوَارِحِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَعُ الجَوَارِحُ في الكَبَائِرِ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي العَبْدُ، وَمِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَإِذَا انْطَمَسَ نُورُ القَلْبِ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، صَارَ صَاحِبُهُ يَرَى الحَقَّ بَاطِلَاً وَالبَاطِلَ حَقَّاً، وَيَجْتَرِئُ عَلَى ارْتِكَابِ الكَبَائِرِ، وَالتي مِنْ جُمْلَتِهَا عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ.
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»؟ رواه الحاكم وأبو داود والترمذي والإمام أحمد عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا»؟ رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ»؟ رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾؟
أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؟
ثانياً: إِنَّ زَوَاجَكَ مِنْ هَذِهِ الفَتَاةِ لَيْسَ فَرْضَاً وَلَا وَاجِبَاً عَلَيْكَ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُبَاحٌ، وَأَمَّا طَاعَتُكَ لِوَالِدِكَ فَفَرْضٌ عَلَيْكَ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا تَتْرُكِ الفَرْضَ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ.
لِأَنَّكَ إِنْ تَزَوَّجْتَ بِغَيْرِ رِضَا الوَالِدِ، فَإِنَّ ضَمِيرَكَ يُعَذِّبُكَ، وَخَاصَّةً إِذَا غَضِبَ الوَالِدُ عَلَيْكَ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَأَقُولُ لَكَ: سَامَحَكَ اللهُ تعالى عَلَى مَا اقْتَرَفَتْ يَدَاكَ، لَقَدْ أَتْعَبْتَ قَلْبَكَ، وَأَتْعَبْتَ الفَتَاةَ، وَأَتْعَبْتَ أَهْلَكَ؛ وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:
كُـلُّ الحَـوَادِثِ مَـبْـدَاهَا مِنَ النَّظَرِ *** وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ في قَلْبِ صَـاحِبِهَا *** فَتْكَ السِّهَامِ بِلَا قَـوْسٍ وَلَا وَتَــرٍ
وَالمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَـيْــنٍ يُـقَـلِّـبُـهَـا *** في أَعْيُنِ الغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَـرَّ مُـهْـجَـتَــــــهُ *** لَا مَـرْحَـبَـاً بِـسُرُورٍ جَاءَ بِالضَّرَرِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: حَاوِلْ أَنْ تُقْنِعَ وَالِدَكَ إِنْ كَانَتِ الفَتَاةُ صَاحِبَةَ دِينٍ وَخُلُقٍ، فَإِنْ لَمْ تُفْلِحْ، فَوَجِّهْ إِلَيْهِ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ النُّصْحَ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الأَمْرُ عَلَيْكَ، أَقُولُ لَكَ: عَلَيْكَ بِبِرِّ وَالِدِكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ.
وَفِي الخِتَامِ أَقُولُ: زَوِّجُوا مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ أَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، ارْحَمُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُعَذَّبُوا، ثُمَّ تَتْعَبُوا مَعَهُمْ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُصْلِحَ الأَبْنَاءَ وَالآبَاءَ، وَأَنْ يُعِينَنَا جَمِيعَاً عَلَى غَضِّ الـبَصَرِ وَحِفْظِ الفَرْجِ وَاللِّسَانِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.