الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لَقَدْ وَجَّهَ اللهُ تعالى أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَاجِهِنَّ، فَقَالَ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وَكَذَلِكَ وَجَّهَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَتَيَسَّرَ خِطْبَتُهَا، وَأَنْ يَتَيَسَّرَ صَدَاقُهَا، وَأَنْ يَتَيَسَّرَ رَحِمُهَا» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: الْتَمِسُوا الغِنَى في النِّكَاحِ؛ وَتَلا قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.
وَقَدْ زَوَّجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الذي لَمْ يَجِدْ إِلَّا إِزَارَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلَاً، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ.
قَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟».
قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي.
فَقَالَ: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئَاً».
فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئَاً.
فَقَالَ: «التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمَاً مِنْ حَدِيدٍ».
فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: «أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟».
قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا.
فَقَالَ: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ».
ثانياً: إِذَا كَانَ الأَبُ يَخْشَى عَلَى ابْنَتِهِ أَن يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا لِفَقْرِهِ، فَهَلْ يَضْمَنُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا إِذَا كَانَ غَنِيَّاً؟
مَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى حُسْنِ حَيَاةِ ابْنَتِهِ في زَوَاجِهَا فَلْيُزَوِّجْهَا صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ، لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّينِ وَالخُلُقِ إِنْ أَحَبَّ زَوْجَتَهُ أَكْرَمَهَا، وَإِنْ كَرِهَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا.
مَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى حُسْنِ حَيَاةِ ابْنَتِهِ في زَوَاجِهَا فَلْيُزَوِّجْهَا مِنْ رَجُلٍ قَوِيٍّ أَمِينٍ، كَمَا قَالَ تعالى عَلَى لِسَانِ بِنْتِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾.
وَدَخَلَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ على ابنته، فوجدها تقرأ قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
وَقَالَتْ: يَا أَبَتِ! أَمَّا حَسَنَةُ الآخِرَةِ فَقَدْ عَلِمْنَاهَا وَهِيَ الجَنَّةُ؛ فَمَا حَسَنَةُ الدُّنْيَا؟
قَالَ: المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ للرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَالصَّلَاحُ يَكُونُ بِالدِّينِ وَالخُلُقِ.
وَلَمَّا سُئِلَ وَكِيعٌ عَنِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ فَقَالَ: زَوِّجْهَا التَّقِيَّ النَّقِيَّ، دِينٌ، وَصَلَاحٌ، وَخُلُقٌ، إِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا، وَإِنْ أَبْغَضَهَا لَمْ يُهِنْهَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَأَنَا أَنْصَحُ كُلَّ وَلِيِّ فَتَاةٍ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ صَاحِبِ دِينٍ وَخُلُقٍ، فَهُوَ الضَّمَانُ لِسَعَادَتِهَا، وَلَيْسَ المَالُ وَالذَّهَبُ وَالبَيْتُ سِرَّ سَعَادَةِ الزَّوْجَةِ.
وَلْيَكُنْ عَلَى يَقِينٍ كُلُّ أَبٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. فَوَعْدُ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ. هذا، والله تعالى أعلم.