الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ مَالًا وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، أَو هُوَ قَادِرٌ عَلَى الكَسْبِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هَذَا أولًا.
ثانيًا: الذينَ نَرَاهُمْ في الشَّوَارِعِ، وَعَلَى أَبْوَابِ المَسَاجِدِ، وَعِنْدَ الإِشَارَاتِ الضَّوْئِيَّةِ للسَّيَّارَاتِ، لَيْسُوا مُحْتَاجِينَ عَلَى الحَقِيقَةِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ غِنَى بَعْضِهِمْ، وَثَبَتَ كَذَلِكَ وُجُودُ عِصَابَاتٍ تَقُومُ عَلَى اسْتِغْلَالِ الأَطْفَالِ وخَاصَّةً اليَتَامَى، وَذَلِكَ بِطَلَبِ المَالِ مِنَ النَّاسِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَى الوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَتَفَرَّسَ هَؤُلَاءِ المُتَسَوِّلِينَ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَحَدَهُمْ فَقِيرٌ فَأَعْطِهِ وَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ، حَتَّى وَلَو تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَيْسُورُ الحَالِ فَلَكَ أَجْرُ مَا نَوَيْتَ مِنْ زَكَاةٍ أَو صَدَقَةٍ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ».
وَأَمَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّهُ مِمَّنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ مِهْنَةً لَهُ، فَلَا تُعْطِهِ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.