الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَاصُّو صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ».
وَقَالَ عَفَّانُ: إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ.
وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَفْضَلَ للمُسْلِمِينَ بِشَكْلٍ عَامٍّ الاجْتِمَاعُ وَالتَّقَارُبُ بِالأَبْدَانِ، لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الأُلْفَةِ وَالمحَبَّةِ وَالمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَلَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ أَبَا عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا ـ قَالَ عَمْرٌو: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا ـ تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ».
فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَا يَفْعَلُهُ البَعْضُ مِنْ تَرْكِ الصُّفُوفِ الأُولَى وَتَركِ وَصْلِهَا وَتَركِ التَّقَارُبِ بَيْنَهَا مُخَالِفٌ للسُّنَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا للنِّزَاعِ وَالتَّفَرُّقِ وَالتَّبَاعُدِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا حُكْمُ الصَّلَاةِ، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ مَا دَامُوا يَقِفُونَ صَفًّا وَاحِدًا، وَلَا يَقِفُ أَحَدُهُمْ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصُّفُوفِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |