الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ خَيْرَ مَا يُعَرِّفُكَ عَلَى ذَاتِكَ هُوَ القُرْآنُ الكَرِيمُ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَقْرَأَ القُرْآنَ الكَرِيمَ بِتَدَبُّرٍ، وَخَاصَّةً عِنْدَمَا يُحَدِّثُكَ عَنْ ذَاتِ الإِنْسَانِ، مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ وَهَكَذَا.
وَضَبْطُ النَّفْسِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِلِجَامِ الشَّرِيعَةِ، فَأَحَلَّ الحَلَالَ وَحَرَّمَ الحَرَامَ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجِوَارِحِكَ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ.
وَيُرْزَقُ الإِنْسَانُ الحِكْمَةَ مِنْ خِلَالِ كَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَقِرَاءَةِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَالاطِّلَاعِ عَلَى سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّأَسِّي بِسِيرَتِهِ العَطِرَةِ، جَعَلَ اللهُ رُوحَنَا فِدَاءً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالصِّرَاعُ بَيْنَ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَالوَازِعِ الإِيمَانِيِّ المَوْجُودِ في القَلْبِ لَا يَتَوَقَّفُ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾. فَهَذَا الصِّرَاعُ تَارَةً تَتَغَلَّبُ فِيهِ النَّفْسُ وَتَارَةً يَتَغَلَّبُ فِيهِ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ، وَكُلَّمَا قَوِيَ الإِيمَانُ تَغَلَّبَ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ عَلَى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَأَكْثِرْ مِنَ الأَسْبَابِ الَّتِي تُقَوِّي إِيمَانَكَ، وَالَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا: تِلَاوَةُ القُرْآنِ، وَالذِّكْرُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ.
وَلَا يَعْلُو شَأْنُ العَبْدِ المُؤْمِنِ إِلَّا بِالتَّحَقُّقِ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاقْرَأْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ صِفَاتِ عِبَادِهِ المُتَّقِيِن، وَصِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَصِفَاتِ الأَبْرَارِ، وَالمُقَرَّبِينَ، وَأُولِي الأَلْبَابِ، وَتَحَقَّقْ بِصِفَاتِهِمْ يَعْلُو شَأْنُكَ، وَاصْبِرْ عَلَى إِيذَاءِ النَّاسِ يَزِدْكَ اللهُ عِزًّا، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
تَعَامَلْ مَعَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمْ وَأَنْتَ تَرَى نَفْسَكَ فِي نَفْسِكَ صَغِيرًا، وَتَحَقَّقْ بِوَصْفِكَ الَّذِي وَصَفَكَ بِهِ رَبُّنَا في القُرْآنِ العَظِيمِ، فَأَنْتَ فِي بِدَايَتِكَ ضَعِيفٌ، وَفِي نِهَايَتِكَ ضَعِيفٌ، فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا بَيْنَ المَرْحَلَتَيْنِ مِنْ قُوَّةٍ، فَهِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ فِيكَ وَلَيْسَتْ أَصِيلَةً.
وَمَنِ الْتَزَمَ شَرْعَ اللهِ تعالى لَا يَظْلِمُ، وَيَتَعَلَّمُ مِنْ شَرْعِ اللهِ الحِلْمَ، فَكُنْ حَلِيمًا حَتَّى تَقْدِرَ، فَإِذَا قَدَرْتَ فَاعْفُ، وَكُنْ عَبْدًا مُتَمَيِّزًا بِالاتِّبَاعِ لِنَبِيِّكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَانْفِ عَنْ نَفْسِكَ التَّعَبَ بِقُوَّةِ الإِيمَانِ وَكَثْرَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَوَلَّانَا جَمِيعًا. هذا، والله تعالى أعلم.