الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أخرج الإمام البخاري عن عمران بن حصين رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ـ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ ـ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا جَلِيداً، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ: «لَا ضَيْرَ، أَوْ لَا يَضِيرُ، ارْتَحِلُوا» فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاس، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ» قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».
وروى الإمام أحمد عَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَامَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِن اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِن اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾. فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَضَحِكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً.
وذَهَبَ جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ التَّيمُّمَ ينوبُ عن الغُسلِ من الجنابةِ والحيضِ والنِّفاسِ، إذا خافَ الجُنُبُ ضَرراً من استعمالِ الماءِ، ولم يَجِد ما يُسخِّنُ به الماءَ.
كما ذَهَبَ جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ التَّيمُّمَ لا يَصِحُّ إلا بعدَ دُخولِ الوقتِ ولا يُصلَّى به أكثرُ من وقتٍ، خلافاً للحنفيَّةِ الذين قالوا بجوازِ التَّيمُّمِ قبلَ الوقتِ ولأكثرَ من فرضٍ، ولغيرِ الفرضِ من النَّوافِلِ.
واتَّفقَ أئمَّةُ المذاهِبِ الأربعةِ على أنَّ الأفضلَ تأخيرُ التَّيمُّمِ لآخرِ الوقتِ إن رَجا وُجودَ الماءِ حِينَئِذٍ، وإلا تيمَّمَ أوَّلَ الوقتِ خلافاً للحنابلةِ.
وبناء على ذلك:
فالتَّيمُّمُ ينوبُ عن الغُسلِ من الجنابةِ، وكذلكَ بالنِّسبةِ للمرأةِ الحائضِ والنُّفَساءِ في حالِ عَدَمِ وُجودِ الماءِ السَّاخِنِ، إذا كانَ الماءُ البارِدُ يضُرُّ، فإذا صلَّى بالتَّيمُّمِ لا إعادةَ عليه بعدَ خُروجِ الوقتِ، أمَّا إذا وَجَدَ الماءَ بعدَ الصَّلاةِ وقبلَ خُروجِ الوقتِ فلا إعادةَ عليه كذلكَ عندَ جمهورِ الفقهاءِ، خلافاً للشافعيةِ الذين قالوا بوُجوبِ إعادةِ الصَّلاةِ للمقيمِ إذا وَجَدَ الماءَ قبلَ خُروجِ الوقتِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |