الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اتَّفَقَ الفُقَهاءُ على أنَّ أركانَ التَّيَمُّمِ مَسحُ الوَجهِ واليَدَينِ، لِقَولِهِ تعالى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ﴾.
واختَلَفَ الفُقَهاءُ في المَطلوبِ في مَسحِ اليَدَينِ في التَّيَمُّمِ، هل إلى الرُّسغَينِ أم إلى المِرفَقَينِ؟
فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والشَّافِعِيَّةُ إلى أنَّ المَطلوبَ في اليَدَينِ هوَ مَسحُهُما إلى المِرفَقَينِ على وَجهِ الاستيعابِ كالوُضوءِ، لِقِيامِ التَّيَمُّمِ مَقامَ الوُضوءِ.
جاءَ في رَدِّ المُحتارِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
وجاءَ في فِقهِ العِباداتِ: أركانُ التَّيَمُّمِ: 3ـ مَسحُ الوَجهِ واليَدَينِ معَ المِرفَقَينِ، لِقَولِهِ تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ﴾.
وذَهَبَ المَالِكِيَّةُ والحَنابلَةُ إلى أنَّ الفَرضَ مَسحُ اليَدَينِ في التَّيَمُّمِ إلى الكُوعَينِ، ومن الكُوعَينِ إلى المِرفَقَينِ سُنَّةٌ، روى الإمام البخاري أنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ.
فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا» فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
وجاءَ في فِقهِ العِباداتِ ـ مالكي ـ أركانُ التَّيَمُّمِ: 3ـ تَعميمُ الوَجهِ واليَدَينِ إلى الكُوعَينِ بالمَسحِ.
وجاءَ في شَرحِ كِتابِ الطَّهارَةِ من كِتابِ عُمدَةِ الطَّالِبِ: وَيَدَيهِ إلى كُوعَيهِ، هذا الرُّكنُ من أركانِ التَّيَمُّمِ: مَسحُ اليَدَينِ إلى الكُوعَينِ.
وبناء على ذلك:
فَمَسحُ اليَدَينِ في التَّيَمُّمِ عِندَ المَالِكِيَّةِ والحَنابِلَةِ إلى الكُوعَينِ رُكنٌ من أركانِ التَّيَمُّمِ، وإلى المِرفَقَينِ سُنَّةٌ، وهوَ رُكنٌ عِندَ بَقِيَّةِ الفُقَهاءِ، والمَسحُ إلى المِرفَقَينِ أَولَى، وهذا الأَولَى خُروجاً من الخِلافِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |