الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لله، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ».
وأخرج الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسْتُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لله حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ مُبَارَكاً عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى.
فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَقَالَ: «مَن الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟».
فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ.
ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ: «مَن الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟».
فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ.
ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟».
فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ ابْنُ عَفْرَاءَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟».
قَالَ: قُلْتُ: الْحَمْدُ لله حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ مُبَارَكاً عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَد ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكاً أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا».
وبناء على ذلك:
فقد ذَهَبَ جُمهورُ الفقهاءِ من الصَّحابَةِ والتَّابِعينَ ومالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمدٌ إلى أنَّهُ يُشرَعُ للعاطِسِ وهوَ في الصَّلاةِ أن يَحمَدَ اللهَ تعالى، سواءٌ كانتِ الصَّلاةُ فرضاً، أو نفلاً.
واختلفوا هل يُسِرُّ بذلك أو يجهر به؟
ذهب الحنفية والحنابلة إلى كراهة الجهر به، ولا بأس به في نفسه من غير تلفظ.
وبعضُ الفقهاءِ اقتَصَرَ في ذلكَ على صلاةِ النَّافِلَةِ، دونَ الفرضِ.
ويُسَنُّ للحامِدِ أن يَرفَعَ صَوتَهُ بالحَمدَلَةِ بِقَدْرِ ما يُسمِعُ نفسَهُ، حتَّى لا يُشَوِّشَ على المصلِّينَ. ولا يجوزُ للمصلِّي أن يُشَمِّتَهُ، لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رواه الإمام مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |