الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اتَّفَقَ الفقهاءُ على أنَّ استِقبالَ القِبلَةِ شرطٌ من شُروطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ، لقولِهِ تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾.
كما اتَّفَقَ الفقهاءُ على أنَّ من كانَ مُشاهِداً الكعبَةَ فَفَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إلى عَينِ الكعبَةِ يقيناً، وأمَّا إنْ لم يَكُن مُشاهِداً لها فعندَ جُمهورِ الفقهاءِ الفرضُ هوَ إصابَةُ جِهَةِ الكعبَةِ، لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
خلافاً للشَّافِعِيَّةِ الذينَ قالوا بِفَرضِيَّةِ إصابَةِ عينِ الكعبَةِ. هذا أولاً.
ثانياً: يَجِبُ على المصَلِّي أن يَتَحَرَّى ويَجتَهِدَ في جِهَةِ القِبلَةِ، إذا اشتَبَهَت عليهِ جِهَتُها، ولم يَجِد ثِقَةً يُخبِرُهُ بها عن يقينٍ، فإن تَحَرَّى وصلَّى صَحَّت صلاتُهُ، لأنَّهُ بَذَلَ وُسعَهُ في مَعرِفَةِ الحَقِّ، وقد روى الترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾.
والعاجِزُ عن مَعرِفَةِ القِبلَةِ بالأدِلَّةِ لا يجوزُ له الشُّروعُ في الصَّلاةِ دونَ أن يَتَحَرَّى وإن أصابَ، لِتَركِهِ فرضَ التَّحَرِّي، إلا أنَّهُ لا يُعيدُ إن عَلِمَ إصابَتَهُ بعدَ الانتِهاءِ من الصَّلاةِ.
وبناء على ذلك:
فإذا صلَّى الإنسانُ وهوَ لا يَشُكُّ في القِبلَةِ، ولم يَتَحَرَّ وظَهَرَ خَطَؤُهُ في القِبلَةِ وهوَ في الصَّلاةِ فَسَدَتِ صَلاتُهُ، بِخِلافِ من شَكَّ في جِهَةِ القِبلَةِ وتَحَرَّى ثمَّ ظَهَرَ له خَطَؤهُ وهوَ في الصَّلاةِ استَدارَ إلى الجِهَةِ التي انتهى إليهِ تَحَرِّيهِ، أمَّا إذا ظَهَرَ خَطَؤهُ بعدَ الانتِهاءِ من الصَّلاةِ فإنَّ صَلاتَهُ صَحيحَةٌ.
أمَّا إذا كانَت علاماتُ القِبلَةِ ظاهِرَةً، وصلَّى لِغَيرِ جِهَةِ القِبلَةِ وَجَبَ عليهِ أن يُعيدَها، لأنَّهُ لا عُذرَ لأحَدٍ في الجَهلِ بالأدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |