{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة}

6073 - {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة}

01-01-2014 45229 مشاهدة
 السؤال :
ما معنى قول الله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة * فَكُّ رَقَبَة * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة}؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6073
 2014-01-01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَولُهُ تعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة﴾ يَعني: لم يَقتَحِمِ العَقَبَةَ، والعَقَبَةُ استعارةٌ تَبَعِيَّةٌ للعَمَلِ الشَّاقِّ على النَّفسِ، من حَيثُ هوَ بِذَلُ مالٍ، تَشبيهٌ بِعَقَبَةِ الجَبَلِ، وهوَ ما صَعبٌ منهُ، أي إنَّ العَقَبَةَ: هيَ الطَّريقُ الوَعرُ في الجَبَلِ، اُستُعيرَ بها للأعمالِ الصَّالِحَةِ ذاتِ المَشَقَّةِ.

وقَولُهُ تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة﴾ أي: لم تَدْرِ صُعوبَتَها وثَوابَها.

ثمَّ أرشَدَ اللهُ تعالى عِبادَهُ إلى طَريقِ اقتِحامِها، فقال تعالى:

أولاً: ﴿فَكُّ رَقَبَة﴾ أي: إنَّ اقتِحامَ العَقَبَةِ ودُخولَها يَكونُ بإعتاقِ الرَّقَبَةِ من العُبودِيَّةِ، وتَخليصِها من إسارِ الرِّقِّ.

ثانياً: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة﴾ يَعني: أو إطعامٌ في يَومِ المَجاعَةِ الذي يَفقِدُ فيهِ الطَّعامَ.

ثالثاً: أن يَكونَ الطَّعامُ لِيَتيمٍ قَريبٍ، قال تعالى: ﴿يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة﴾ واليَتيمُ هوَ من فَقَدَ أباهُ، وكانَ هذا اليَتيمُ ذا نَسَبٍ من المُطعِمِ.

رابعاً: أو يَكونَ الطَّعامُ لِمِسكينٍ مُحتاجٍ لا شَيءَ عِندَهُ، قال تعالى: ﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة﴾ يَعني: مُحتاجاً لَيسَ عِندَهُ شَيءٌ، ولا قُدرَةَ لهُ على كَسبِ المالِ لِضَعْفِهِ وعَجْزِهِ، كَأَنَّهُ ألصَقَ يَدَاهُ بالتُّرابِ لِفَقْدِ المالِ.

وبناء على ذلك:

فالآيَةُ دَعوَةٌ من الله عزَّ وجلَّ لِمُجاهَدَةِ النَّفسِ وحَمْلِها على اقتِحامِ الأُمورِ الصَّعبَةِ، والتي من جُملَتِها الإنفاقُ، ومن صُوَرِ الإنفاقِ إعتاقُ الرِّقابِ، وإطعامُ اليَتامى وخاصَّةً الأقرِباءِ، والمَساكينِ الذينَ لا يَجِدونَ مالاً ولا يَقدِرونَ على الكَسبِ.

روى الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِق النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؟

قَالَ: «لَا، إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا، وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ، وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِم الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَن الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِن الْخَيْرِ».

وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». هذا، والله تعالى أعلم.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لاقتِحامِ العَقَبَةِ حتَّى نَكونَ من أصحابِ المَيمَنَةِ. آمين.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
45229 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 307
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1468
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 664
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1731
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1456
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 984
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414945677
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :