{يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا}

6198 - {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا}

14-03-2014 11345 مشاهدة
 السؤال :
ورد في القرآن العظيم والسنة المطهرة التحذير من القنوط، كما ورد قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد}. فكيف يتم التوفيق بين ذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6198
 2014-03-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَرَبُّنا عزَّ وجلَّ حَذَّرَ من القُنوطِ بِكُلِّ صُوَرِهِ وأشكالِهِ، قال تعالى في حَقِّ من قَنَطَ من رَحمَتِهِ: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّون﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُون﴾.

بل حَرَّضَ رَبُّنا عزَّ وجلَّ على التَّفاؤُلِ الحَسَنِ، فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾.

وقالَ تعالى في الحَديثِ القُدسِيِّ الذي رواه الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».

وقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من اليَأسِ والقُنوطِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عن فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ، رَجُلٌ نَازَعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ، وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ الله، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبيرِ عن عَبْدِ الله قال: أَكْبَرُ الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بالله، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ الله.

وبناء على ذلك:

فالشَّرعُ الشَّريفُ حَذَّرَ العِبادَ من اليَأسِ والقُنوطِ، لأنَّ هذا لَيسَ من وَصْفِ المُؤمِنِ، وهذا ما أكَّدَهُ رَبُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد﴾. فهذهِ الآيَةُ الكَريمَةُ تَأكيدٌ على حُسنِ الظَّنِّ، والتَّحذيرِ من القُنوطِ، فهوَ جَلَّ وعَلا أغاثَ العِبادَ بَعدَ اليَأسِ والقُنوطِ، وهذا الوَصْفُ لا يَليقُ بالمُؤمِنِ.

فالفَرَجُ مَقرونٌ بالضِّيقِ، والرَّخاءُ مَقرونٌ بالشِّدَّةِ، وهذا ما أكَّدَهُ سَيِّدُنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عِندَما جَاءَهُ رَجُلٌ وقال: يا أَميرَ المُؤمِنينَ، قَحَطَ المَطَرُ، وقَلَّ الغَيثُ، وقَنَطَ النَّاسُ.

فقال: مُطِرتُم إن شَاءَ الله.

ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد﴾.

فلا تَعَارُضَ بَينَ الآياتِ الكَريمَةِ، وهذا ما أكَّدَهُ سَيِّدُنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِقَولِهِ: وكُلُّ ذلكَ مُبَالَغَةً في حُسنِ الظَّنِّ والتَّحذيرِ من القُنوطِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
11345 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 307
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1468
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 664
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1731
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1456
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 984
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414945535
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :