لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ, وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ.

فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ».

فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ؟

فَقَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».

وكذلكَ جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري في بَابِ الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ.

ومَعنَى إِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ: يَعنِي لَتُبْغِضُهُم.

وبناء على ذلك:

فالقَولُ مَنسُوبٌ لِسَيِّدِنَا أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وهذا نَوعٌ من أَنوَاعِ المُدَارَاةِ، والمُدَارَاةُ تَعنِي بَذْلَ الدُّنيَا لِصَلاحِ الدُّنيَا أو الدِّينِ، أو مَعَاً، ولِدَفْعِ الشَّرِّ، والمُدَارَاةُ مَأْذُونٌ بِهَا       شَرعَاً، وهذا مَا فَعَلَهُ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ باللهِ التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ». وهوَ ضَعِيفٌ، ولكنَّ مَعنَاهُ صَحِيحٌ.

وفي رِوَايَةٍ للبَيهَقِيِّ عَن ابنِ المُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ باللهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ».

أمَّا المُدَاهَنَةُ فَهِيَ بَذْلُ الدِّينِ من أَجلِ الدُّنيَا، وهذهِ مَمْنُوعَةٌ شَرعَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.