الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «تَجَاوَزَ اللهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
وفي رِوَايَةٍ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي».
قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «رُفِعَ عَن أُمَّتِي الخَطَأُ» أي: إِثْمُهُ لا حُكْمُهُ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ «والنِّسْيَانُ» كَذلِكَ مَا لَمْ يَتَعَاطَ سَبَبَهُ حَتَّى فَوْتِ الوَاجِبِ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ؛ «وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أي: وَرُفِعَ عَنهُم إِثْمُ مَا أَكْرَهَهُمُ الغَيْرُ فِعْلُهُ مِمَّا لا يَحِلُّ.
وبناء على ذلك:
فَمَفْهُومُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْخَذُ بالخَطَأِ والنِّسْيَانِ، إذْ لا تَمْتَنِعُ المُؤَاخَذَةُ بِهِمَا عَقْلاً، لأَنَّ الذُّنُوبَ كَالسُّمُومِ، فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلى الهَلاكِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً، فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ لا يَبْعُدُ أَنْ يُفْضِي إلى العِقَابِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً.
ولكن من فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ على الأُمَّةِ أَنَّهُ وَعَدَ بالتَّجَاوُزِ عَنهُ رَحْمَةً وفَضْلاً، فَرَفَعَ الإِثْمَ عن الأُمَّةِ إذا وَقَعُوا في المُخَالَفَةِ، ولكن لا بُدَّ من الضَّمَانِ، ولا بُدَّ من قَضَاءِ الوَاجِبِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
