الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالانْتِحَارُ كَبِيرَةٌ من الكَبَائِرِ، فَإِنِ اسْتَحَلَّهُ العَبْدُ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ فَقَد اسْتَحَقَّ الخُلُودَ في النَّارِ، وَذَلِكَ للوَعِيدِ الذي جَاءَ عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الشيخان عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمَّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً».
فَمَنِ انْتَحَرَ وَمَاتَ بِسَبَبِ الانْتِحَارِ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ كَبِيرَةً من الكَبَائِرِ، وَأَمْرُهُ إلى اللهِ تعالى، وَهُوَ العَلِيمُ سُبْحَانَهُ إِنْ كَانَ مُسْتَحِلَّاً لهذا الفِعْلِ أَمْ لا؟
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَمُتْ، فَعَلَيْهِ بالتَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ، واللهُ عزَّ وجلَّ يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ.
وبناء على ذلك:
فَمَا دَامَ هذا الإِنْسَانُ لَمْ يَمُتْ بَعْدَ إِقْدَامِهِ على الانْتِحَارِ إلا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ، فلا يُعْتَبَرُ مُنْتَحِرَاً، وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنَّهُ قَد تَابَ إلى اللهِ تعالى من إِقْدَامِهِ على قَتْلِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ مَاتَ على تَوْبَةٍ، وَمَنْ مَاتَ على تَوْبَةٍ فَقَد أَفْلَحَ وَنَجَا، روى البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ وَالأَوْسَطِ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المُؤْمِنُ وَاهٍ (مُذْنِبٌ) رَاقِعٌ (تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ) فَسَعِيدٌ مَنْ هَلَكَ عَلَى رَقْعِهِ». هذا، والله تعالى أعلم.